وطن الإعلامية – الأربعاء 21-8-2024م:
الاعتداء على الأعيان المدنية في عمومها، والمستشفيات والمرافق الصحية على وجه الخصوص مُدان ومستهجن في كل الأوقات، بغض النظر عن هوية المعتدي، ويمثل جريمةً منكرة ومخالفة مُشهرة للقانون الدولي الإنساني في المقام الأول، وبالتالي فإن قصف مستشفى الضعين أمر مُستهجن ومُدان وغير مقبول بلا مراء، سيما وأنه أوقع ضحايا من المدنيين.
الجيش السوداني مهني يحرص على التقيد بقواعد الاشتباك، ولم نعهد فيه ميلاً لإيذاء المدنيين، بقدر ما شهدنا له حرصاً شديداً على حمايتهم، واستماتةً تامة في الدفاع عنهم، وبالتالي نتوقع من قيادة القوات المسلحة إجراء تحقيق سريع في هذه الواقعة لتحديد هوية المسئول عنها ومحاسبته عليها.
فقط نُذكِّر أبواق التمرد الذين استغلوا هذه الواقعة لرفع العقيرة بالولولة والبكاء عليها بدموع التماسيح سعياً لإدانة الجيش ومساواته بالمرتزقة والمليشيات المجرمة.. نذكرهم بأن الاعتداء على المستشفيات والمرافق الصحية يمثل قاعدةً عند المتمردين، وأنهم تفننوا في احتلالها وقصفها ونهبها وتدميرها منذ اليوم الأول للحرب المجنونة التي شنوها على ملايين السودانيين.
خلال الشهور الماضية ظل المتمردون يقصفون مستشفيات مدينة الفاشر بالأسلحة الثقيلة والراجمات، ومنها المستشفى الجنوبي، ومستشفى بابكر نهار، ومستشفى الأطفال حتى خرجت كلها عن نطاق الخدمة.
كذلك تم استهداف كل المستشفيات الخاصة في مدينة الفاشر بواسطة المتمردين قصفاً، ومنها مستشفى نبض الحياة ومستشفى اقرأ.. وكذلك قصفت المليشيات المركز الوحيد في المدينة لغسيل الكلى في الفاشر ودمرته تماماً لتهدّد حياة المئات من مرضى الفشل الكلوي في المدينة وضواحيها بالموت الزؤام، مثلما تعرض الملايين من مواطني مدينة الفاشر للقتل والحصار والتجويع والحرمان من العلاج.
كذلك نذكِّر المتباكين بأن المتمردين احتلوا مستشفى الدايات في أمدرمان منذ بدايات الحرب، وأخرجوا منه الحوامل والأطفال الخُدّج، ولقي بعضهم حتفهم في شارع الموردة، وعندما تمت صيانة المستشفى وإعادة تأهيله وافتتاحه مؤخراً بادر المتمردين بقصفه وتدميره بالمدفعية الثقيلة بعد يوم واحد من لحظة إعادة افتتاحه، ولم نسمع للمتباكين حالياً أي إدانة لتلك الجريمة المنكرة.
كذلك درج المتمردون على قصف مستشفى النو بأم درمان يومياً وعلى مدى أكثر من عام، ولم نسمع إدانة ولا استنكاراً من أزلام التمرد لتلك الجرائم المنكرة.. مثلما تم تدمير مستشفى البلك ومستشفى الوالدين ومركز صحي بانت ومركز صحي الضوء حجوج بواسطة المتمردين، منذ الأيام الأولى للحرب.
خلال الشهور الماضية أقدم المتمردون على نهب وتدمير المستشفيات في زالنجي ونيالا والجنينة وبابنوسة، وقصفوا مستشفيات مدينة الأبيض وقتلوا المرضى والطواقم الطبية، ومنها مستشفى الأبيض التعليمي ومستشفى الضمان الاجتماعي، ولم نسمع بكاءً ولا إدانة، ولم نسمع نحيباً ولا ولولةً من مساندي التمرد وحواضنه السياسية لتلك الجرائم الممنهجة.
خلال الحرب الحالية احتل المتمردون مستشفيات أم درمان والخرطوم وبحري وحاج الصافي وشرق النيل والأسنان وابن سينا والعيون وأحمد قاسم والشعب والتيجاني الماحي وسوبا وإبراهيم مالك وبقية المستشفيات الحكومية وحولوها إلى مراكز لتخزين الأسلحة والذخائر، وحرموا المواطنين من خدماتها، ولم تتم إدانة فعلهم.
كذلك قام المتمردون باحتلال ونهب وتدمير معظم المستشفيات الخاصة مثل الساحة والأطباء والطبي الحديث والزيتونة وحراء ودريم والرباط ومودة وفضيل والفيصل والوطني والفؤاد والراقي والعالمي وفيو تشر ويستبشرون وغيرها، واستخدموا سطوح مستشفى الساحة لنصب مدافع ثقيلة استخدموها لقصف سلاح المدرعات والقيادة العامة، مثلما احتلوا المستشفى الصيني في أم بدة ونصبوا فيه المدافع والقناصة وحولوه إلى منصة لمهاجمة الجيش، ولم نسمع بكاءاً ولا إدانة لتلك الأفعال الشنيعة والجرائم المنكرة من مناصري التمرد.
في ولاية الجزيرة احتل المتمردون ونهبوا مستشفيات مدني والحصاحيصا ورفاعة والكاملين وفداسي وألتي والمسيد والباقير والتكلة وأب قوتة، وكل المستشفيات والمراكز الصحية في ولاية الجزيرة، وقتلوا العشرات من الكوادر الطبية، وصفوا الأطباء أمام مرضاهم، مثلما فعلوا في مستشفى بست كير في الخرطوم، عندما اقتحموه وقتلوا المرضى والمرافقين والأطباء والممرضين، وصفوا جرحى سلاح المدرعات بدمٍ بارد، ولم نسمع للمتباكين الآن صوتاً ولا إدانة.
منذ بداية الحرب درجت المليشيات المتمردة على نهب سيارات الإسعاف والشاحنات المخصصة لنقل الأدوية واستخدمتها في نقل الأسلحة والذخائر، كما نهبت الأجهزة والمعدات الطبية وتم عرض بعضها وبيعها في أسواق دقلو، ولم تتم إدانة ذلك الفعل القميء بواسطة أزلام التمرد.
كذلك ذكر شهود عيان أن مليشيات الدعم السريع حولت مستشفى ابن سينا في الخرطوم (العمارات) إلى معتقل كبير، اختطفت واحتجزت فيه آلاف المواطنين وأخضعتهم فيه إلى التعذيب والإهانة وقتلت بعضهم داخله بدم بارد، مثلما احتلت ونهبت مقر هيئة الإمدادات الطبية بالخرطوم منذ الأيام الأولى للحرب!
الإحصائيات المتوافرة تؤكد أن المتمردين قتلوا أكثر من مائة طبيب في الحرب الحالية، وقتلوا واعتقلوا الآلاف من الكوادر الطبية المساعدة في الخرطوم ودارفور وكردفان والجزيرة والنيل الأزرق وسنار، وأنهم درجوا على اختطاف الأطباء وبقية الكوادر الطبية وإلزامهم بعلاج مرضاهم وجرحاهم تحت تهديد السلاح، وصفّوا من رفضوا العمل معهم بالسُخرة، ومع ذلك صمتت لجنة الأطباء المركزية وبقية التنظيمات التابعة لمساندي التمرد وغضت الطرف عن تلك الانتهاكات غير المسبوقة.
في المجمل كان القطاع الصحي والعاملون فيه الأكثر تضرراً من إجرام الجنجويد، الذين احتلوا ونهبوا وعطلوا العمل في مراكز غسيل الكلى في كل الولايات التي انتشروا فيها مثل الجراد، وكانت النتيجة موت الآلاف من مرضى الفشل الكلوي، ومع ذلك اعتقلت القوى السياسية المساندة لهم ألسنها ولم تبادر بإدانتهم، ولم تطالبهم بالتوقف عن إيذاء المرضى وقتلهم واحتلال المرافق الصحية، ولم يستيقظ ضميرها الميت إلا عندما سمعت بقصف مستشفى الضعين.. فتباً لهم وتباً لقلوبهم المتحجرة وأفئدتهم المجرمة والمجردة من الرحمة.. وسحقاً لمن صمتوا عن الحق واتبعوا الباطل وتماهوا مع الجنجويد واجتهدوا في شرعنة إجرامهم في كل زمان ومكان!