وطن الإعلامية – الخميس 5-6-2025م:
(رداً على سؤال من “أسوشيتد برس” حول تقارير تفيد بتورط دولة الإمارات العربية المتحدة في تسليح قوات الدعم السريع، رفض حمدوك التعليق المباشر لكنه قال إن التركيز على دولة واحدة دون الأخرى مثل إيران الداعمة المفترضة للجيش، هو “انحياز لرواية أحادية” وأضاف: “نريد من كل من يسلّح أطراف الصراع أن يتوقف فورًا”)
هذه الإجابة هي تضامن معلن من صاحبها مع الإمارات، وهذا المقال لا يقصد إثبات ذلك، فصاحب الإجابة أغناني عن هذا. ولكنه محاولة للغوص في طريقة التلاعب، وتقنيات الدفاع، والمدى الذي بلغه هذا التضامن.
١.الملاحظ أن حمدوك ومجموعته (لا يبادرون) باتهام الإمارات، و(لا يبادرون) حتى باتهام دول الأخرى بدعم الجيش، ولا يتحدثون عن دعم دول للجيش كتهمة إلا عندما يُسألوا عن دعم الإمارات للميليشيا، الأمر الذي يشير إلى أنهم يستخدمون هذه الحيلة دفاعاً عن الإمارات، وأنهم في قرارة أنفسهم ليسوا على قناعة بأن بيع السلاح للجيش جريمة، وإلا لكان مادة رئيسية في أحاديثهم!
٢.العبارة “نريد من كل من يسلّح أطراف الصراع أن يتوقف فورًا” هي في ذاتها عبارة تواطؤية، لأنها تجهِّل “من يسلحون أطراف الصراع” ولا تسميهم، وعدم التسمية مقصود به الإمارات لا الدول الأخرى، فهي تستفيد عرضاً ــ في العبارة ــ من هذه الرغبة في عدم إدانة الإمارات باسمها!
٣.عدم (مبادرته) بإدانة الإمارات، و(تهربه) من الإجابة المباشرة عندما سئل، و(احتجاجه) على (التركيز) على إدانة الإمارات، و( اضطراره) إلى صياغة عبارة (باردة) غير محددة للمسؤوليات: ( نريد من كل من يسلّح أطراف الصراع أن يتوقف فوراً)، و(لا تتضمن) إسم الإمارات. كل هذه الطبقات من (الحماية المعنوية) للإمارات تعتبر تكتيكاً كلاسيكياً لتجنب الإحراج وتفادي الإدانة، لكن كثرة طبقات الحماية هنا ــ بأكثر من المعتاد في النموذج الكلاسيكي للتهرب ــ تؤشر لا إلى مجاملتها فقط، ولا إلى مجرد التواطؤ معها، بل إلى (الترحيب) بدورها في الحرب!
٤.الإشارة إلى إيران تحديداً، مع استصحاب مواقف الإمارات، وبعض الأطراف الدولية والإقليمية ضدها، ومواقف حمدوك نفسه ضدها، تمثل محاولة لشرعنة التدخل الإماراتي على أساس أنه تدخل ضد “عدو”. وهذا بمثابة دفاع عن فكرة اتخاذ السودان ساحة للصراع لا العكس!
٥.وضع الجيش والميليشيا في مستوى واحد لم يحدث ــ نظرياً وفي عبارات حمدوك ــ إلا بتلاعبات كثيرة تهدف إلى إعطاء الميليشيا شرعية غير مباشرة، وهذا يعبر عن مصالح الإمارات والميليشيا وحمدوك ومجموعته ولا صلة له بالموقف الشعبي، بل هو انحياز للإمارات والميليشيا ضد المواطنين وليس ضد الجيش فقط.
٦.الاحتجاج على “التركيز على الإمارات” يوحي بأن انتقادها (غير موضوعي)، و(زائد عن الحاجة)، رغم أن الجرائم ضد المدنيين والتخريب الذي مورس بسلاحها، وتخطيطها للتقسيم، يستحق إدانات قصوى.
٧.لا يمكنه اتهام الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، خاصة الغربية التي كثيراً ما تواجهه بهذا السؤال، لا يمكنه اتهامهم بالانحياز ضد الإمارات والتركيز عليها، فالتركيز سببه الأجماع على أن ما تقوم به عدوان على السودان، وهو الإجماع الذي لا يتوفر لبيع السلاح للجيش. فعدا الميليشيا نفسها، و”تقدم”، والإمارات، وبعض الدول الغربية الحليفة للإمارات لا توجد أطراف تعتبر بيع السلاح للجيش عدوان على السودان.
٨.تحويل الإدانة الرئيسية من إدانة العدوان الإماراتي إلى إدانة التركيز على العدوان، وتحويل الانتباه من دعم الميليشيا إلى “دعم الجيش” يكشفان أن الإدانة الحقيقية موجهة لخصوم الإمارات والميليشيا، وهذا يتوافق مع مصلحة الإمارات التي تروج أن الصراع في السودان “حرب طرفين” وليس “تمرد ميليشيا” ولا “عدوان منها”.
٩.منطقياً هل يمكن أن يجتمع احتجاجان: أولهما على تركيز الناس على إدانة الإمارات، وثانيهما على تسليحها للميليشيا؟ الإجابة المنطقية هي (لا)، فأحد الاحتجاجين يلغي الآخر، والذي ركز عليه حمدوك هو الذي يبقى، وهو الاحتجاج على ال التركيز على الإمارات!
١٠.ما هو المعيار الذي جعل شراء الجيش للسلاح من إيران أو غيرها يستحق ذات الحكم الذي يستحقه دعم الميليشيا؟ وما هي حدود هذا المعيار، وما مدى ثباته أو ظرفيته؟ مثلاً إذا انتهت هذه الحرب ولا قدر الله تمرد فصيل آخر وحارب المواطنين وتعمد التخريب ودعمته إحدى الدول، فهل هذا يبرر حظراً للسلاح يستهدف إضعاف قدرة الجيش على التعامل مع التمرد أم إن هذا المعيار خاص بحالة الإمارات والدعم السريع؟ وهل يمكن تعميم هذا المعيار ليسري في أي دولة يواجه فيها الجيش فصيلاً مسلحاً تدعمه دولة معادية؟
١١.على فرض أنه جاد في طلب عدم دعم الطرفين ما النتيجة التي ستنتج من توقف تسليح الجيش والميليشيا معاً ؟ أليس هو “توازن الضعف” الذي قال ماهر أبو الجوخ إنهم يفضلونه؟ وما الذي يستفيده السودان من جيش في حالة توازن ضعف مع ميليشيا متمردة تمثل مطامع دولة معادية؟
١٢.حمدوك في هذا الاحتجاج على التركيز على الإمارات كان “ملكياً أكثر من الملك”. فالإمارات نفسها تسلِّم بأن دعمها للميليشيا، إذا حدث، يستحق الإدانات المغلظة، ولهذا تنفي حدوثه، ولا تبرره، أو تقلل منه، بشراء الجيش للسلاح من إيران أو غيرها!
أدان حمدوك ما سماه (الانحياز لرواية أحادية)، بينما الحقيقة، كما اتضح، أنه مارس انحيازاً مضاعفاً ضد رواية ثابتة على الإمارات، اعترف ضمناً بثبوتها، وكان منحازاً للإمارات أكثر من انحيازها إلى نفسها.