وطن الإعلامية – الخميس 29-8-2024م:
إلحاقاً لما كتبناه عن نسبة السيطرة على الأرض، وأثبتنا فيه بالأرقام أن نسبة (تحكم) المليشيات على أراضي السودان تقل عن عشرة في المائة حالياً، على اعتبار أنها تسيطر على أربع ولايات فقط، بعد أن أخرجت الجيش منها، وهي ولايات جنوب وشرق وغرب ووسط دارفور، نعود اليوم لنكتب عن الفارق الكبير بين مفهومي السيطرة.. والانتشار.
الجراد ينتشر على الأرض أحياناً.. لكنه لا يسيطر عليها.
والصحيح أن المليشيات المجرمة تنتشر مثل الجراد والقوارض والهوام في أرض السودان، وصحيح أيضاً أن تمددها الأفقي كبير، لكنها لا تسيطر فعلياً حتى على واحد في المائة من بلادنا، لأن (السيطرة) تعني في حدها الأدنى (المسئولية).
من يسيطر فعلياً يصبح مسئولاً عن إدارة شئون المواطنين في الرقعة التي يتحكم فيها، ويصبح ملزماً في الحد الأدنى بحفظ أمن الناس، وتوفير خدمات المياه والكهرباء والصحة والتعليم والاتصالات لهم، علاوةً على الخدمات المصرفية والحكومية كافة، فهل توجد تلك الخدمات في مناطق انتشار الجنجويد؟
هل يوجد أمن؟
هل يأمن مواطنو تلك المناطق على ذويهم من الجنجويد أنفسهم، ناهيك عن غيرهم؟
هل توجد خدمات منتظمة للمياه والكهرباء والصحة والتعليم والاتصالات والمصارف؟
هل توجد مرافق حكومية تمكن مواطني تلك المناطق من استخراج مستنداتهم الرسمية وأوراقهم الثبوتية من جوازات سفر وأرقام وطنية وشهادات أكاديمية وشهادات بحث للعقارات التي يمتلكونها وغيرها؟
هل توجد خدمات صحية منتظمة في المستشفيات والمراكز الصحية الموجودة في مناطق انتشار المليشيات؟
هل توجد سلطة قضائية وأجهزة إنفاذ القانون من شرطة ونيابة وغيرها؟
هل توجد خدمات مصرفية منتظمة للمصارف التجارية، تمكن المواطنين إيداع أموالهم وسحبها منها، والاستفادة من خدمات التمويل التي يقدمها النظام المصرفي للتجار والمزارعين والصانعين ورجال الأعمال؟
هل توجد خدمات مستقرة للاتصالات؟
الإجابة لا.. بلا مراء!
إذن كيف يزعم المتمردون وأزلامهم أنهم مسيطرون على هذه البقعة أو تلك من أراضي السودان؟
الثابت الذي لا جدال عليه ولا خلاف حوله، أن أي منطقة دخلتها تلك المليشيات بسنابكها المجرمة فقدت كل مقومات الحياة الطبيعية، وانعدم فيها الأمن، وضاعت منها الطمأنينة، وانتشر فيها الخوف والرعب، وتضاعفت فيها معاناة المواطنين، وتلاشت منها الخدمات، وعادت إلى العصر الحجري، بعد أن تعرض أهلها للقتل والترويع والخطف والتعذيب ونهب الممتلكات، وتعددت فيها جرائم الاغتصاب والعنف والاستعباد الجنسي وسبي النساء وخطف المواطنين وإجبار ذويهم على دفع فدىً مالية ضخمة.
والثابت الذي لا خلاف عليه أن المواطنين يفرون من أي منطقة يدخلها تتار العصر الحديث إلى مناطق سيطرة الجيش بحثاً عن الأمان والخدمات والحياة الطبيعية، حتى لو كلفهم ذلك هجر منازلهم والإقامة في معسكرات النزوح ومواقع الإيواء والمدارس والمساجد، بل إن الآلاف من المواطنين يفضلون الإقامة في العراء وتحت الأشجار في مناطق سيطرة الجيش على البقاء في مناطق انتشار المليشيات المجرمة.
وبرغم كل الضجيج والعواء اليومي لأبواق المليشيات في الفضائيات ما زال البرهان هو الرئيس الشرعي الذي تعترف به الأمم المتحدة وتتعامل معه معظم المنظمات الأممية والدولية والإقليمية وحتى الدول، ويقدم السفراء الأجانب أوراق اعتمادهم إليه.
ما زال سفراء وزارة الخارجية هم المعتمدون في كل الدول التي يمتلك السودان تمثيلاً دبلوماسياً فيها، بينما تفتقر المليشيات حتى لمكاتب تمثيل خارجية كالتي كانت تتوافر للحركة الشعبية لتحرير السودان وبقية حركات الكفاح المسلح في ما سبق.
ظل التلفزيون القومي ناطقاً باسم الحكومة الشرعية حتى عندما نجحوا في احتلال مقره، وفشلوا في تشغيله، وأخفقوا في إذاعة بيان الانقلاب منه، والأمر نفسه ينطبق على الإذاعة وكل المرافق التي احتلوها بقوة السلاح.
العُملة المتداولة محصورةٌ في الكتلة النقدية التي يشرف عليها بنك السودان المركزي، والجنجويد أنفسهم يستخدمونها في كل تعاملاتهم، حتى بعد أن اقتحموا البنوك ونهبوا أموالها ومدخرات المواطنين الموجودة داخلها.
المؤسسات الحكومية التي تصدر الأوراق الثبوتية ومستندات السفر ما زالت تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وما زال الجنجويد أنفسهم يجتهدون في استخراج وتجديد أوراقهم الرسمية فيها، وما زالوا يستخدمون الجوازات التي تستخرجها وتجددها وزارة الداخلية التابعة للحكومة التي تمردوا عليها.
استخراج الشهادات الأكاديمية يتم في وزارة تشرف عليها الحكومة التي يناهضها الجنجويد ويجاهرون بعدم اعترافهم بها، والأمر نفسه ينطبق على توثيق تلك الشهادات في وزارة الخارجية التي يدعون أنها تتبع (للفيلول والكيسان)، والأمر نفسه ينطبق على المجلس الطبي وكل المجالس المهنية المعترف بها دولياً.
غالب المواطنين المقيمين في مناطق انتشار المليشيات هم ضدها قلباً وقالباً، ويتمنون زوالها اليوم قبل الغد، بعد أن أحالت حياتهم إلى جحيم وسلبتهم أمنهم واستقرارهم وممتلكاتهم وحتى رغيف خبزهم.
يلهث الجنجويد الآن لنيل اعتراف دولي أو إقليمي من أي جهة بلا جدوى.. هرولوا إلى جدة ثم رفضوا تنفيذ مخرجاتها فسقطت، لأن التنفيذ يعني الاستسلام، ونفضت الحكومة يدها عن المنامة فسقطت المنامة، ورفضت الحكومة الذهاب إلى جنيف فسقطت جنيف.
هم ينتشرون أفقياً في أرضنا مثلما ينتشر المرض الخبيث في الجسد العليل والعياذ بالله.. يقتلون أهلنا ويُذهبون طمأنينتنا ويدمرون بلادنا وينشرون الرعب في مدننا وقُرانا.. لكنهم لا يسيطرون فعلياً على مترٍ واحد من أراضي السودان، ولا توجد أي جهة تعترف بهم، ولا تجرؤ أي جهة على إظهار دعمها لهم، حتى لو فعلت ذلك بطريقة العادة السرية، من باب (الشينة منكورة)!
المتحالفون معهم سراً ينكرونهم جهراً، ويتبرؤون منهم علناً.
وجودهم محصور في الفضائيات التي يزعقون فيها ويرددون فيها أكاذيبهم المثيرة للسخرية، ويجتهدون عبرها في إنكار جرائم منكرة، شهودها بالملايين، وضحاياها بالملايين!
ليس لهم مركز قيادة مُوحَّد، وليس لهم قائد معروف المكان.. هم يمثلون مجموعات من المجرمين الذين يروعون أهل السودان.. مجموعات سائلة ومتفلتة لا سيطرة لأحد عليها، ولا قدرة لأي قائد على كبحها، بعد أن استعانت بالمساجين وعتاة المجرمين والمرتزقة والمعتوهين، ودابة الأرض في كل مكان!
تتار العصر لا يسيطرون على أي مترٍ من بلادنا.. ولا يتحكمون حتى في بنادق القتل التي يحملونها، ويستخدمونها ضد الشيوخ والنساء والأطفال، ويقتلون ويرهبون بها المدنيين العُزّل بمنتهى الخسة.
ستدول شمسهم المشؤومة إلى زوال قريباً بحول الله، وسيتذكر الناس شرورهم وآثامهم وإجرامهم لسنوات لاحقة، بعد أن ارتبطوا في أذهانهم بكل مثالب البشر، وكل معاني القبح والإجرام والوضاعة والخِسَّة والرذيلة.
لم ولن يسيطروا على شيء أبداً، وستشرق شمس السودان الوضاءة الضحوكة قريباً بحول الله، وستنقشع الغمة وتنجلي سحابتهم المشؤومة عاجلاً أو آجلاً..
البشارة وفجر الخلاص من تتار العصر قريبان بحول الله، لأن الحق منصور، والباطل مدحور ومقهور ومقبور بإذن من خلق السماء ورفعها بلا عمد.
من ظنَّ أننا سنخضع لهم ولمن يحركونهم من خلف الستور مثل الدُمي إما واهم عييِّ، أو جاهل أحمق.
الوعد أن تبتسم بلادنا بعد تجهم، وأن تضحك بعد عبوس.
سننتصر وسينتصر جيشنا الباسل بحول الله، وستغتسل أرضنا الطاهرة من رجسهم ودنسهم، وسنسترد بلادنا السمحة منهم.. “يا بني السودان هذا (جيشكم)، يحمل العبء ويحمي أرضكم”.
(هذه الأرض لنا).