وطن الإعلامية السبت 19-10-2024م:
بات من المعلوم، حسب مصادر إعلامية محلية وإقليمية، أن حرب السودان قد بدأت بانقلاب عسكري أوعزت به بعض الأحزاب السياسية المكونة لمجموعة “تقدم” (تجمع تنسيقية القوى المدنية) إلى قيادة مليشيا الدعم السريع. تم التخطيط على أساس استلام السلطة بضربة خاطفة وسريعة لفرض الاتفاق الإطاري، ومن ثم إعادة هيكلة الجيش وسحق الإسلاميين. قال ممثل الحزب الشيوعي بتحالف قوى الحرية والتغيير، القيادي بالحزب الشيوعي السوداني صديق فاروق التوم، بحسب شبكة “سودان ناو” الإخبارية: إن المعركة مع الإسلاميين (الكيزان) بلغت الحدود الصفرية؛ فإما أن نسحقهم أو نستعد لصعود مقاصلهم. استطاع الجيش إفساد خطة الانقلاب، فتحولت البلاد إلى الحرب.
يظل كل هذا الحديث والإفادات المتعلقة بأسباب الحرب، وسؤال من بدأ الطلقة الأولى، ومن صنع الأجواء والمقدمات التي دحرجت البلاد نحو الحرب، ومن جعل الانقلاب الخيار الوحيد عندما تحدث عن تطوير الخيارات في حال تم عرقلة إجازة الإطاري من أي من القوى السياسية أو الجيش، كل ذلك مكانه القانون ومحاكم الدولة، ولا مجاملة فيه لأحد. هذه المرة سيقف الشعب ليسمع ويرى من أدخله في هذه المحرقة التي فقد فيها أرواحًا عزيزة، كما فقد أمنه ومدخراته وانتهك عرضه. لن يجامل أحد، ولن يكون هناك “عفا الله عما سلف”، ولن يسمح بالتسويات التي اعتادت عليها الحكومات والأنظمة السياسية لطي الملفات. ولكن إلى ذلك الحين، من الضروري أن تبحث تنسيقية القوى المدنية (تقدم) عن مقاربة جديدة تعيدها إلى الداخل بعيدًا عن تنمر القوى السياسية المناوئة، للتصالح مع الشعب السوداني. الوقت الحالي هو الأنسب لتحقيق ذلك، حيث يقدّم السودانيون في هذه المرحلة وحدة صفهم على ما سواها. لاحقًا، يجب أن تكون المحاسبة للجميع.
يجب أن تدرك (تقدم) أن استعادة الثقة مع المواطنين تتطلب الابتعاد عن سيناريوهات دعم المليشيا أو التماهي معها، كما يجب أن لا تعتمد على التدخلات الإقليمية أو الدولية في الشأن الداخلي للبلاد، التي قد تؤدي إلى مزيد من الانقسام. كذلك، عليها أن تبتعد عن سيناريوهات الحاضنة الإقليمية أو الدولية لمشروعها السياسي العلماني. عليها أيضًا أن لا تمني نفسها بتصدير بعض التجارب العربية السياسية إلى الداخل السوداني أو غيرها من التجارب في المنطقة، التي تقوم على الوصاية الإقليمية أو الدولية على البلاد وتقاسم النفوذ على الأحزاب والكيانات السياسية. السودان بلد مختلف تمامًا عن واقع كثير من البلدان التي فُرض عليها التدخل في سياستها الداخلية وانتقاص سيادتها الوطنية.
الوقت الآن يساعد جميع الوطنيين الحقيقيين على إدراك أهمية الانتباه للوطن، وذلك ممكن، بل إن التأخير يجعل الأمر صعبًا، وربما مستحيلًا. لذلك يجب أن تعيد (تقدم) النظر في مشاريعها الإقصائية والانقلابية التي تريد أن تتحكم عبرها في مصير البلاد دون تفويض انتخابي، بعد أن أصبح ذلك من الماضي. فلا توجد شرعية ثورية بعد الحرب. يجب أن تنسى حديث الرشيد سعيد، القيادي بتجمع المهنيين، الذي قال في مقابلة مع قناة فرنسية إن الثورة في السودان، خلافًا لدول الربيع العربي، قامت ضد الإسلاميين، وإنها تعني رفض الدولة الدينية مقابل الدولة العلمانية. هذا النوع من الأحاديث الإقصائية العدمية لا يُنتج ممارسة سياسية رشيدة، ولا يُرجى منه تحقيق استقرار سياسي أو نهضة اجتماعية.
بالمقابل، بدا حديث الإسلاميين أكثر اتساقًا مع قيم الديمقراطية ومقتضياتها، حين قال أمين حسن عمر، القيادي بالتيار الإسلامي العريض، في أحد البرامج الحوارية: إن مشروعهم السياسي ليس ضد أحد، وليس لأحد الحق في أن يصادر حقوقهم في العمل السياسي تحت أي لافتة أو عنوان. وأضاف أن دعمهم لحكومة حمدوك ليس لأنهم يحبونه، ولكن لأنهم يحبون بلدهم ويخشون عليها من الانزلاق في الفوضى. لذلك هم يدعمون الفترة الانتقالية. وأكد ذلك إبراهيم غندور، رئيس المؤتمر الوطني، في أول تصريح صحفي له بعد سقوط حكمهم، إذ قال: “سنكون معارضة مساندة لأجل الاستقرار وسوف ننتظر الانتخابات بعد أن نعيد حساباتنا ونراجع تجربتنا.” عليه، يجب فعلاً على الإسلاميين المسارعة بتقييم تجربتهم وإجراء مقاربات جديدة بين الواقع السياسي الداخلي للسودان والمحيط الإقليمي والدولي، على أساس أهمية الخروج من المأزق الحضاري والسياسي للدولة السودانية. كما أكدوا أن الشعب السوداني من الشعوب التي يتجذر فيها الانتماء للمفاهيم والقيم الدينية.
لذلك لا بد من بذل جهود في هذا الاتجاه، لضمان عودة الأمن والاستقرار والسلام لبلادنا، بالنظر إلى تقدم الجيش في جميع محاور القتال من أجل استعادة السيطرة واستعادة الأمن والسلام.
يجب أن نعلم أن السودان بلد غني بتنوعه، ويجب أن تُبنى استراتيجيات السلام والاستقرار على أساس الحوار الشامل والشراكة الحقيقية مع جميع مكونات المجتمع. كذلك، من المهم التركيز على تعزيز السيادة الوطنية وبناء مؤسسات الدولة القوية التي تعكس إرادة الشعب وتلبي احتياجاته. لإيقاف الحرب وتحقيق السلام المستدام، ينبغي أن تتبنى جميع الأحزاب السياسية السودانية مبادرات تهدف إلى المصالحة الوطنية، وتوفير بيئة آمنة للجميع، مع التأكيد على أهمية حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وسيادة حكم القانون.
وفقًا لذلك، يمكننا أن نؤسس لمستقبل آمن ومستقر للسودان، يتجاوز الأزمات الحالية ويحقق تطلعات جميع السودانيين. وعليه، يظل وجه الحقيقة: لأجل أن تقدم الأحزاب السودانية نفسها من جديد للشعب السوداني، عليها إعادة النظر في التصالح مع الشعب السوداني والاعتذار له عن هذه الحرب، ثم الاتفاق فيما بينها لوضع مبادرة وطنية تهدف إلى إنهاء الحرب. ذلك مع أهمية النظر إلى أن انتصار الجيش خطوة نحو السلام، بينما انتصار المليشيا يعمل على اتساع دائرة الحرب والصراع. كذلك، من المهم اعتماد اتفاق جدة باعتباره يمثل المخرج من الأزمة، وهو الوسيلة الأساسية والوحيدة لإنهاء الحرب عبر الحوار. بذلك يمكن أن يعبر السودان إلى اليوم التالي دون الصراعات الصفرية.
دمتم بخير وعافية.
السبت 19/أكتوبر/2024م.
Shglawi55@gmail.com