وطن الإعلامية – الاحد 15-12-2024م:
▪️بينما تلقي الحرب بظلالها الثقيلة على السودان، ظهر ضيف بريطاني في بورتسودان يحمل في جُعبته رسائل عديدة، بعضها واضحٌ وبعضها يستوجب التأمل العميق. في مشهدٍ تختلط فيه النيران بالدبلوماسية، وصل الممثل الخاص للمملكة المتحدة للسودان، رتشارد كراودر، في زيارةٍ تبدو للوهلة الأولى عادية، لكنها تحمل في تفاصيلها الكثير من الإشارات والتحولات.
▪️لماذا الآن؟، لماذا السودان تحديداً، وهو غارقٌ في أتون صراعٍ وجودي؟ أسئلة قد تتبادر إلى الأذهان، إلا أن الإجابات بدأت تتشكل في اللقاءات التي عقدها “كراودر” مع القيادات السودانية. فمع تصاعد العمليات العسكرية و استعادة الجيش زمام السيطرة في مناطق عديدة، ومع التحولات التنفيذية التي تسعى لترتيب أولويات الدولة اقتصادياً وخارجياً، بدت زيارة المبعوث البريطاني وكأنها محاولة لفهم ما يجري، وربما إعادة رسم العلاقة بين لندن والخرطوم.
▪️في لقاءٍ جمعه برئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، حمل كراودر رسالة واضحة: ضرورة إنهاء الحرب ووقف الصراع، مشدداً على دعم بلاده للسلام وحماية حقوق الإنسان. لكنه ايضاً تحدث عن إعلان جدة، وكأنما يسعى لتذكير السودان بضرورة الحوار السياسي. تصريحاته كانت تحمل نبرة تعاطف مع معاناة السودانيين، لكنها في الوقت ذاته بدت كرسائل تحذير من مغبة تجاهل المسارات السياسية الدولية.
▪️غير أن النائب مالك عقار كان له موقف مختلف تمامآ. بنبرة حازمة، أبلغ المبعوث البريطاني بأن السودان لا يحتاج إلى مساعدات إنسانية بقدر حاجته لحماية سيادته وأراضيه. في حديثٍ بدا وكأنه رسالة غضب مكبوتة، ذكّر عقار المبعوث بالدور السلبي لبريطانيا كحاملة قلمٍ في مجلس الأمن، ودعمها غير المباشر لمواقف دولٍ تسعى لتطويق السودان وإضعاف إرادته.
▪️لكن هل كانت هذه الزيارة بداية لتحولٍ في الموقف البريطاني؟ ربما، إذ بدا أن كراودر جاء هذه المرة وهو يدرك حجم الغضب السوداني تجاه سياسات لندن السابقة. رسائل التقدير التي بعث بها، وتأكيده على أن بلاده لن تنسى السودان، حملت إشاراتٍ لرغبةٍ بريطانية في فتح صفحة جديدة. ومع ذلك، ظلت الأسئلة قائمة: هل سيتغير الموقف البريطاني حقاً، أم أن الأمر لا يعدو كونه محاولة لاحتواء التوترات مؤقتاً؟.
▪️في سياق آخر، حملت تصريحات عقار إشاراتٍ واضحة إلى ضرورة التواصل البريطاني مع الإمارات لوقف الدعم اللوجستي المقدم للمليشيا المتمردة. هذه الدعوة حملت في طياتها تساؤلاتٍ عن مدى استعداد بريطانيا لممارسة ضغوطٍ حقيقية على حلفائها، أم أن لندن ستكتفي بالتصريحات دون أفعال؟.
▪️بين حوار البرهان وكراودر ورسائل عقار الحادة، كان هناك خيط مشترك: رغبة سودانية واضحة في تصحيح مسار العلاقات مع بريطانيا، لكن وفق شروطٍ تحترم السيادة السودانية وتنهي أي دورٍ غير محايد في النزاع.
▪️ خلاصة القول ومنتهاه:
▪️الزيارة انتهت، لكن الأسئلة بقيت مفتوحة. هل ستعيد بريطانيا قراءة الواقع السوداني بما يحقق شراكة متوازنة؟، أم أن الماضي سيظل يلقي بظلاله على العلاقة بين البلدين؟ في وقتٍ يشتعل فيه السودان، يبدو أن هذه العلاقة بحاجةٍ إلى أكثر من زياراتٍ دبلوماسية؛ ربما إلى إرادةٍ حقيقيةٍ تكتب فصلاً جديداً من الثقة والتعاون.