وطن الإعلامية – الخميس 19-12-2024م:
الناظر الي العلاقات القائمة بين الدول في العصر الحديث يجد صورا عديدة ومتنوعة وفقا لما يمليه الواقع العملي علي المستوي الدولي بكل تعقيداته مما استدعي ذلك تأسيس هيئة عالمية تجتمع تحت مظلتها دول العالم ويتاح لجميع الدول الإنضمام الي عضويتها ، في البداية كانت عصبة الامم وبعد فشلها جاءت الأمم المتحدة ، ثم توافقت الدول علي ميثاق عالمي ينظم العلاقات فيما بينها ويؤسس لعلاقات ودية هادئة ، ولكن ماذا لو حدثت نزاعات او حروب ؟ كان لابد من تكوين آلية فاعلة لوقف الحرب وفض النزاعات .
بعد مؤتمر موسكو 1943م ومؤتمر طهران منتصف 1944م اجتمعت وفود روسيا والولايات المتحدة والصين والمملكة المتحدة في مؤتمر دومبارتون اوكس في واشنطن للتفاوض حول هيكل الامم المتحدة وبالفعل جاء النقاش حول تكوين مجلس الامن ليكون آلية دولية تعمل علي منع النزاعات ووقف الحروب واتخاذ إجراءات قانونية تجاة المعتدي ، وعقدت اولي جلساته في 17 يناير 1946م ، وهو احد الاجهزة الرئيسية الستة للأمم المتحدة وخصص له الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة لبيان طريقة تكوينه وإجراءات العمل الخاصة به.
ويتألف من خمسة عشر عضوا ، خمسة دائمين هما الصين وفرنسا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وتنتخب الجمعية العامة للأمم المتحدة عشرة أعضاء اخرين ليكونواعضاء غير دائمين في المجلس يتم تغيرهم كل سنتين ويراعي في ذلك التوزيع الجغرافي.
لكل عضو صوت واحد وتصدر القرارات في المسائل الاجرائية بموافقة تسعة من الأعضاء ، اما في المسائل الموضوعية فتصدر القرارات بموافقة تسعة من اعضائه علي ان يكون من بينهم أصوات الأعضاء الدائمين متفقة.
تكون رئاسته بالتناوب بين الدول الاعضاء كل شهر وفقا للترتيب الابجدي للدول الاعضاء باللغة الإنجليزية.
نطاق عمل مجلس الأمن واسع ، وقراراته ملزمة لكل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ، ويتميز مجلس الأمن دون أجهزة الأمم المتحدة بحق التدخل لتسوية المنازعات الدولية التي تنشأ بين الدول سواء طلب منه التدخل من الدول او تدخل من تلقاء نفسه حفاظا علي الأمن والسلم الدوليين ، وله سلطة تحديد الطرف المعتدي .
جاءت تلك المهام نتيجة للمادة الرابعة والعشرين من ميثاق الأمم المتحدة التي اوضحت ان جميع الدول الأعضاء يعهدون الي مجلس الأمن بالتبعات الرئيسة في حفظ السلم والامن الدوليين وهو يعمل بالانابة عنهم في هذة التبعات.
هذة المادة هي جوهر عمل مجلس الأمن لأنها منحته الصلاحيات الواسعة بموافقة كافة الدول الأعضاء ، والموافقة علي ان يعمل نيابة عنهم بموجب هذة الصلاحيات وفقا لمبادئ الأمم المتحدة.
لمجلس الأمن كما جاء في المادة الثالثة والثلاثين من الميثاق ان يدعو أطراف اي نزاع الي التفاوض اوالتحقيق اوالوساطة اوالتوفيق اوالتحكيم او التسوية القضائية لحل النزاع ، وله إيفاد بعثة او تعيين مبعوثين او توجية الأمين العام للأمم المتحدة ببذل مساعيه الحميدة لاخماد النزاعات والتوفيق بين اطرافها.
اذا لم تنجح تلك المساعي السلمية ، يكون لمجلس الأمن الحق في إرسال قوات لحفظ السلم والامن الدوليين لمكان النزاع ، او وقف العلاقات الاقتصادية وله قطع المواصلات بجميع انواعها برا وبحرا وجوا جزئيا او كليا ، وله قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولة المعتدية ودول العالم .
لمجلس الأمن مهام كثيرة واختصاصات عديدة تمكنه من تطبيق احكام القانون الدولي ، وميثاق الامم المتحدة بما يحقق ضبط النزاعات بين الدول او النزاعات التي تنشأ داخل اقليم الدولة لكنها تنعكس سلبا علي امن وسلام المنطقة.
من جهة اخري نجد ان ميثاق الأمم المتحدة لم يتضمن اي نص يجيز الطعن في قرارات مجلس الأمن ، وبذلك لا تستطيع اي جهة ان تحاسبه او تطعن في قراراته مما يجعله المتحكم الفعلي في اعمال الأمم المتحدة.
بموجب حق الفيتو الممنوح للدول الخمس الدائمين في مجلس الأمن يتم التحكم في جميع القرارات الصادرة عنه ايا كان هدفها او غايتها ، فإن كانت لاتخدم مصالح الدول الخمس فالفيتو في انتظارها ، وهكذا يتعطل الدور الحقيقي والجوهري لمجلس الأمن في الحفاظ علي السلم والامن الدوليين بعدالة ويكون القرار مرتهنا بما تراه الدول الخمس محققا لمصالحها فقط.
■ مجلس الأمن والحرب في السودان ■
بين السودان ومجلس الأمن العديد من القرارات ، لكن في ملف الحرب التي اندلعت في منتصف أبريل 2023م وضع اخر ، حيث كان أول قرار لمجلس الأمن في 8 مارس 2023م القرار رقم 2676 الذي يمدد نظام عقوبات علي السودان تتمثل في تجميد الأصول وحظر السفر وحظر الأسلحة ، وهو قرار فني لتجديد التدابير التي تم تجديدها سابقا بموجب القرار 2676في مارس 2023م.
في يونيو2023م ، طالبت هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن باتخاذ إجراءات حاسمة لإيقاف الحرب ، وركزت علي الدول الافريقية الثلاث الأعضاء وهي الغابون وغانا وموزنبيق و علي جهود الإتحاد الأفريقي لتأمين وقف الحرب ، والتأكيد علي حماية المدنيين كركيزة اساسية ، وذلك أثناء مناقشة مجلس الامن لتجديد بعثة الأمم المتحدة المتكاملة للمساعدة الانتقالية في السودان( يونيتامس) .
في 11اكتوبر 2023م صوت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة باغلبية 19صوتا لصالح قرار مقابل 16ضد القرار وامتناع 12عن التصويت ، لاعتماد قرار بإنشاء لجنة للتحقيق في الجرائم والانتهاكات التي وقعت في السودان منذ بداية الحرب ،
واخطر مجلس الأمن بذلك.
في 8 مارس 2024م اصدر مجلس الأمن قرار يدعو لوقف فوري للعنف في السودان وازالة اي عراقيل لوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع ودون عوائق خلال شهر رمضان .
ثم ناقش مجلس الأمن مشروع قرار حول الحرب في السودان ووقف العدائيات ، الا ان الدول الافريقية الثلاث رفضت مسودة مشروع قرار صاغته بريطانيا لمجلس الأمن منتصف أبريل 2024م .
في 29ابريل 2024م عقد مجلس الامن جلسة مغلقة لبحث التصعيد للعمليات العسكرية مع التركيز علي الاوضاع في مدينة الفاشر، وقلق المجلس بشأن الوضع الانساني للمدنيين ، وطالبت بعثة السودان الدائمة في الأمم المتحدة مجلس الأمن لوضع حد حاسم لدعم الامارات للمليشيا وإصدار قرار بذلك .
في 30 مايو 2024م عقدت جلسة لمجلس الأمن لعرض تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الوضع الانساني في السودان وتداعيات الحرب .
في 13 يونيو 2024م ، طالب مجلس الأمن من المليشيا الإرهابية إنهاء حصارها لمدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور واصدر القرار رقم 2736 ، حيث تحاصر المليشيا مئات الالاف من المدنيين في اوضاع إنسانية متردية للغاية ، لكن المليشيا لم تستجيب للقرار .
في منتصف أغسطس 2024م اعلن المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان (المضي قدما ) في حل الازمة السودانية بحضور أمريكا ومصر والسعودية والإمارات والإتحاد الأفريقي والامم المتحدة ، في اجتماع جنيف، رغم عدم وجود ممثل للحكومة السودانية ، وبعد انتهاء الاجتماع وفشلهم ذكر المبعوث الأمريكي الخاص ان المحادثات قد تستأنف في تاريخ غير محدد مستقبلا .
القراران الصادران في مارس ويونيو 2024م ايدتهما 14دولة مع امتناع روسيا عن التصويت ، لكنه سمح بوصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وأمن والابقاء علي معبر ادري مفتوحا لدخول المساعدات الإنسانية.
في11سبتمبر 2024م قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقرير لأوضاع الحرب في السودان والموقف الإنساني هناك ، وقدم ممثل بعثة السودان الدائمة كلمة السودان ، ثم جدد المجلس نظام العقوبات الخاص بالسودان حتي سبتمبر 2025م ، سعيا للحد من دخول الأسلحة لاقليم دارفور .
اكتوبر 2024م ناقش مجلس الأمن إمكانية نشر بعثة مشتركة بقيادة الإتحاد الأفريقي للمساعدة في حماية المدنيين ، والاستماع لاحاطة مفتوحة من الأمين العام للأمم المتحدة .
18نوفمبر 2024م ، ناقش مجلس الأمن مشروع قرار صاغتة بريطانيا وسيراليون حيث تتولي بريطانيا رئاسة مجلس الأمن لشهر نوفمبر 2024م ، ويدعو القرار الي وقف الاعمال العدائية ووقف التصعيد العسكري ، جاء مشروع القرار متخفيا وراء كلمات دبلوماسية يؤيد اتفاق جدة ويدعم دخول المساعدات الإنسانية ، وهو في حد ذاته محاولة للسير بسرعة نحو تسوية مدنية تحافظ علي كيان المليشيا الهالكة، لذلك جاء مشروع القرار كأنه يستبق الزمن للوصول لحل سياسي دبلوماسي قبل أن تتورط المليشيا الإرهابية في المذيد من الجرائم ، مما يذيد سخط الشعب السوداني عليها وبالتالي يصعب للوصول الي تسوية تنقذها من الهزيمة المحققة .
مشروع القرار هذا حسم بفيتو روسي اعاد الامور الي نصابها .
في نفس الوقت كانت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول) قد اصدرت نشرة زرقاء بأسماء قائدين بالمليشيا بناء علي قرار مجلس الأمن الصادر للدول الاعضاء بهدف منع تحركاتهم عبر اراضيها وتجميد الأرصدة المالية التي تخصهم .
لكن للان لم يتطرق مجلس الأمن لتوجية اتهام للمليشيا الإرهابية بأنها جماعة ارهابية ،رغم كل جرائمها ، ولم يوجة اتهام للإمارات لدعمها المليشيا للاستمرار في عملياتها الإرهابية تجاة المدنيين العزل الذين يخشي عليهم مجلس الامن ويقلق لاجلهم !!!!
رغم الانتهاكات الجسيمة والجرائم المروعة التي تصل لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والتي وثقت من المليشيا نفسها ونشرت علي المنصات الاعلامية المختلفة ، وذكرتها ووثقتها تقارير المنظمات الدولية والاقليمية وتقرير لجنة الخبراء الدولية
الا ان المجلس الموقر لم يصدر إدانة واحدة ضد المليشيا المغتصبة للان .
منذ بداية الحرب خصص مجلس الأمن جلسات كثيرة للسودان ولمناقشة الحرب والاوضاع الإنسانية للمدنيين ، جلسات منها المغلقة ومنها المفتوح ، منها جلسات احاطة ومنها جلسات اصدر فيها مجلس الامن قرارات مباشرة ، وهناك حوالي خمس جلسات خصصت للنقاش حول اليونسفا (UNISFA) ، وست جلسات لمناقشة وضع يونيتامس(UNITAMS) ، (عدد كبير) لكن للاسف اغلبه لايصب في مصلحة السودان وشعبه ، اغلبها محاولات ضغط من بريطانيا لكي ينصاع السودان للضغوط الأميركية والاماراتية لوقف الحرب مع انحياز كامل من بريطانيا تجاة المليشيا ، والتي ترفض اي إدانة للمليشيا الارهابية عبر جلسات مجلس الامن ، وهي نفسها التي سعت لابعاد تقرير لجنة الخبراء التي كونها مجلس الأمن وقدمت تقرير مفصلا يتضمن وقائع واحداث تدين المليشيا وتثبت علي الإمارات تهمة تمويل المليشيا الارهابية في السودان ، ثم عملت بريطانيا بالتعاون مع الولايات المتحدة علي تعليق شكوي السودان ضد الإمارات ، وعدم تقديمها لمجلس الأمن حتي لا يتخذ قرارا فيها رغم ان هذة الشكوي تستند الي العديد من الادلة والبراهين منها تقرير بعثة الخبراء الأممية سالفة الذكر ، ورغم اتهام اليونسيف للمليشيا المتمردة انها تجند الاطفال وتدفع بهم لنيران الحرب بما يمثل انتهاكا دوليا يضاف الي سجل المليشيا الاجرامي ، الا ان بريطانيا لا تزال منحازة للمليشيا بصورة سافرة .
علي كل فإن مجلس الأمن يعقد جلسات احاطة يوم الخميس 19 ديسمبر 2024م بشأن السودان ويترأس وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكين الاجتماع ، والذي من المقرر ان يقدم فيه الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش او وكيله المعين ووكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية توماس فليتشر ، احاطة حول مستجدات الأوضاع في السودان .
نأمل أن تكون هذة الجلسة مختلفة عن سابقاتها .
وان يكون يوم (19 من ديسمبر) علامة فارقة في السجل الأممي تجاة السودان كما كان علامة فارقة في تاريخ السودان الحديث ، التهاني للشعب السوداني الأبي الحر بمناسبة ذكري اعلان الاستقلال المجيد من داخل البرلمان ، والتحية لقواتنا المسلحة الظافرة المنتصرة باذن الله وحوله ، والتحية لقوات الشرطة والامن والقوات المشتركة فرسان السودان ، والمستنفرين الابطال ، سائلين الله عزوجل أن يتقبل شهدائنا برحمته الواسعة في الفردوس الأعلى.
اللهم انصر القوات المسلحة نصرا عزيزا يا الله سبحانك لا ناصر لنا الا انت.
نوووووواصل ،،،،،
الخميس 19 ديسمبر 2024م .