وطن الإعلامية – الأحد 5-1-2025م:
السيد نائب وزير الخارجية التركي منذ امس السبت 4/ يناير 2025 في بورتسودان في زيارة رسمية قصيرة..
الزيارة وإن كانت في إطار العلاقات الثنائية بين السودان وتركيا، إلا أنها تتعلق بشكل أساسي بمبادرة الرئيس أردوغان للوساطة بين السودان والإمارات..
الوزير التركي جاء حاملاََ تصور بلاده للوساطة لعرضه على الجانب السوداني.. والتي من المنتظر أن يدرسها السودان ويرد عليها وفقاََ لوجهة نظره..
لا أود الخوض في ما يحمله الوزير التركي في حقيبته من تفاصيل ولا خطوط عريضة بخصوص المبادرة..
ولا الخوض ايضاََ بالمقابل في الرد أو الملاحظات التي سيبديها الجانب السوداني..
فهذا أمر سابق لأوانه.. ولا يحتمل الرجم بالغيب فيه..
وهو من الأمور التي من المفيد أن يوغل المرء فيها برفق.. وتأني وروية..
لكن ما يمكن تناوله في هذا المقال المتعجل يمكن إجماله في ثلاث نقاط لا رابع لها..
● النقطة الاولي: طبيعة الأزمة ساهمت بشكل فريد وغير مسبوق في تعقيد أي صيغة للتفاوض أو المحادثات بين السودان والإمارات، فهناك حرب في السودان بين الجيش السوداني وبين ميليشيا متمردة بدأتها هذه الأخيرة بغرض الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، تصدى لها الجيش وتوسعت عملياتها لأكثر من عشرين شهراََ وما تزال تدور رحاها..
الحكومة السودانية اتهمت دولة الإمارات بعبارات صريحة وواضحة ومباشرة بأنها تدعم الميليشيا المتمردة بالمال والسلاح..
دولة الإمارات ردت بالإنكار وما تزال حتى يومنا هذا تنكر هذا الإتهام رغم ما تكشف على نطاق واسع من أدلة وبراهين على صحة الاتهامات السودانية من أطراف إقليمية ودولية..
إذن نحن إزاء حالة فيها اتهام من طرف يقابله إنكار من الطرف الآخر..
وهذا الوضع في القضاء يقتضي وجود طرف ثالث (قاضي ) يقضي بين الطرفين بناء على (بيّنات) المدّعِي، و (دفوع) المدعى عليه..
لكن هذا مضمار علاقات دولية ليس هناك حتى الآن صيغة يمكن تطبيقها في مضمار السياسة الدولية على غرار النظام القضائي الداخلي الذي يفصل بين الأشخاص الطبيعية والاعتبارية بسلاسة ويملك القوة الجبرية لتنفيذ أحكامه..
الأمر في ساحة العلاقات الدولية يتعلق بإرادة الأطراف قبولاً أو رفضاََ..
ولا أعتقد أن تركيا ستقوم بدور القاضي فهذا غير مألوف وغير وارد وهناك فرق بين الوساطة وبين الفصل في النزاعات..
والسؤال هنا هو على ماذا سيتم التفاوض طالما الإمارات تنكر الإتهام الموجه إليها جملة وتفصيلاََ.؟..
وهو ما ينقلنا إلى *النقطة الثانية*، وهي بافتراض اعتراف الجانب الإماراتي بالاتهام، ما المقابل الذي يريده من الجانب السوداني للتوقف عن دعمه للميليشيا، إذ لا يُتصور أن يقدم الجانب الإماراتي هذا الإعتراف ويطلب المغفرة والعفو فقط..
ويترتب على هذا الافتراض سؤال ما طبيعة المقابل الذي ستطلبه الإمارات، هل مقابل يتعلق بصميم الشأن السوداني الداخلي..؟
أم بشأن إقليمي أو دولي فيه تقاطع مصالح بين البلدين.. ؟
● النقطة الثالثة: إن كان المقابل يتعلق بأمر من صميم
الشأن الداخلي للسودان، فهذا مما لا يمكن القبول به على الإطلاق ويمثل تعدياََ صارخاََ على السيادة السودانية و(بجاحة) وخرق لكل الأعراف الدولية ومنها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وهو مبدأ راسخ ومما هو معلوم من القانون الدولي بالضرورة..
وإن حدث هذا فستكون محاولة يائسة للي يد السودان ومساومته على حقه الطبيعي لن يقبل به السودان بطبيعة الحال..
أما – وهنا مربط الفرس – إن كان المقابل يتمحور حول قيمة Value ليست من صميم الشأن الداخلي السوداني وإنما هي تتعلق بشأن الصراع أو التنافس حول المصالح بين الدول في الفضاء الدولي الفسيح، فهذا هو الاحتمال الأوحد الذي يمكن للسودان أن يتفاوض فيه بالأخذ والرد بما يحقق مصالحه ويصون حقوقه دون المساس بأصول هذه المصالح أو يقوضها..
ومن المضحكات المبكيات أن أحداََ ممن يثار حولهم الجدل إنبرى (ناصحاََ) الجانب السوداني وهو يظن أنه يحسن صنعاََ، بألا يتطرق مطلقاََ في محادثاته مع الجانب الإماراتي إلى قضية الدعم الإماراتي لميليشيا الدعم السريع، زاعماََ أن هذا سيكون خِطئاََ كبيراً، وقال وهو يدل الجانب السوداني إلى (شجرة الخلد وملك لا يبلى) أن يصبوا اهتمامهم ويركزوا جهدهم فقط حول العلاقات الثنائية، ولعمركم هذه هي عين وجهة نظر الإمارات، ولا أدري ولم يقل حفيد البصيرة أم حمد ما هي قضايا العلاقات الثنائية الأخرى، أهي قضايا التأشيرات وإقامات السودانيين بالإمارات، أم هي قضية صيانة منزل السفير الإماراتي في الخرطوم، أم يا ترى هي قضايا التبادل الثقافي ومهرجانات الشعر ومسابقات القصة القصيرة، أم هي تتعلق بتنسيق مواقف البلدين من القضية الفلسطينية…أم يتعلق الأمر بإبرام إتفاق تجاري لتصدير البطيخ و(العنكوليب) السوداني إلى السوق الإماراتي…!!
إن على الجانب السوداني إذا ما انتهت مساعي تركيا إلى إجلاس السودان وابوظبي إلى طاولة المفاوضات أن ينفذ إلى المسألة الأساسية مباشرة وهي دعم الإمارات للميليشيا الإرهابية ومطالبتها بالوقف الفوري لهذا الدعم ..
لماذا…؟؟
لأن هذه هي الورقة الرابحة التي في يد السودان، هذه مصدر قوة للجانب السوداني الذي يمتلك الأدلة الكافية الدامغة على إتهامه لأبوظبي..
وبالمقابل هذه القضية هي نقطة الضعف المركزية لأبوظبي، ليس بمقدورها تفنيدها أبداََ بحجج وأدلة واضحة، كل ما تستطيع فعله هو الإنكار فقط..
المهمة سهلة للغاية A peace of cake بالنسبة للجانب السوداني، وشائكة وصعبة بالنسبة لأبوظبي..
ثقتنا كبيرة في مفاوضينا من بعد الله فالحق معنا والله ناصر الحق..