وطن الإعلامية – الجمعة 14-3-2025م:
في مشهد دبلوماسي مشحون داخل أروقة مجلس الأمن، وقف السفير الحارث إدريس، مندوب السودان، ليواجه بصوت الحق زيف الادعاءات ويفضح تورط الإمارات في دعم مليشيا الدعم السريع، تلك الجماعة التي غرقت في مستنقع الفوضى والخراب. لم يكن مجرد رد على تقرير، بل كان صفعة مدوية على وجه التلاعب السياسي، حيث عرى دور الإمارات في تمزيق السودان، ولم يترك مجالًا للالتفاف أو التبرير.
تقرير فريق خبراء مجلس الأمن لم يكن مجرد مستند عابر، بل كان وثيقة دامغة تثبت أن كل الدماء التي أريقت، وكل الخراب الذي حل بالسودان، كان للإمارات يد فيه. دعمها غير المحدود لمليشيا الدعم السريع لم يكن خفيًا، بل تم عبر مسارات مكشوفة: طائراتها التي هبطت في مطارات نيالا وأم جرس، محملة بالسلاح والعتاد، لم تكن تحمل غذاءً للأطفال الجياع ولا دواءً للمرضى، بل كانت تحمل أدوات القتل والدمار، تزرع الفوضى وتحرق الأخضر واليابس.
حاول مندوب الإمارات في مجلس الأمن تلميع صورة بلاده، مدعيًا أنها قدمت 200 مليون دولار كمساعدات إنسانية للشعب السوداني عبر مليشيا الدعم السريع. لكن الحقيقة جاءت أسرع من محاولات التغطية، فالمليشيا نفسها أعلنت بعد أيام أنها ستستخدم هذا المال في شراء الأسلحة والطائرات، وكأنها تستهزئ بالعالم أجمع. هل هذا هو الدعم الإنساني الذي يتحدثون عنه؟ هل قتل الأبرياء وتشريد الملايين أصبح عملاً خيرياً؟ أم أن الإنسانية في قاموسهم تعني تأجيج الصراعات وتعزيز الانقسامات؟
الإمارات تحاول أن تغلف تدخلاتها القذرة بغلاف المصالح، وكأن الحفاظ على المصالح لا يكون إلا بالحروب وسفك الدماء. ولكن السؤال الذي طرحه السفير الحارث بصوت الحق والمنطق كان كفيلاً بفضح زيفهم: أي نوع من المصالح هذا الذي يبنى على أنقاض الأوطان وجثث الأبرياء؟ إذا كانت المصالح تُحفظ بالحروب، فماذا عن السلام؟ ماذا عن الاستقرار؟ هل أصبحا مفردات غريبة عن القاموس السياسي الإماراتي؟
السفير الحارث لم يترك مجالًا للمراوغة. لم يتحدث عن “تدخلات خارجية” بصيغة مبهمة كما يحاول البعض، بل سمى الأشياء بأسمائها. قالها واضحة مدوية: الإمارات هي الدولة التي تغذي الصراع، هي التي تدعم المليشيا، هي التي تمول الحرب، هي التي تخلق حكومة موازية مضحكة، لا شرعية لها إلا في عقول من صنعوها. لم يكن حديثه مجرد اتهامات، بل كان مدعومًا بالأدلة والتقارير، لم يكن انفعالاً بل كان موقفًا يستند إلى الحقيقة والواقع.
هذا الصوت السوداني الأصيل الذي ارتفع في مجلس الأمن لم يكن مجرد صوت دبلوماسي، بل كان صوت كل سوداني عانى من ويلات الحرب التي أشعلتها أيادٍ خارجية. كان صوت الملايين الذين شُردوا، الذين فقدوا أحباءهم، الذين يرون وطنهم يحترق بينما تمضي الإمارات في مخططها دون وازع من ضمير. هذا الصوت لم يأتِ ليجامل أو يهادن، بل جاء ليكشف المستور، ليقول للعالم: من يريد حقيقة ما يجري في السودان، فلينظر إلى أيدي الإمارات الملطخة بالدماء.
ليس بعد اليوم يمكن إخفاء الحقيقة، وليس بعد هذا الرد القوي يمكن للإمارات أن تتخفى خلف ستار الدبلوماسية الزائفة. فقد ألقمها السفير الحارث حجرًا كبيرًا، حجراً من الحقائق التي لا يمكن دحضها، حجراً من المواقف الثابتة التي لن تتغير، حجراً يجعلها أمام العالم في موقف لا تحسد عليه، فإما أن تتراجع عن دورها التخريبي، وإما أن تواجه الحقيقة التي باتت أوضح من أي وقت مضى: السودان لن ينسى من تآمر عليه، ولن يغفر لمن سعى إلى تمزيقه.