وطن الإعلامية – الأربعاء 23-4-2025م:
لا أحد يتوهّم أن المقعد الولائي في الشمالية مقعد وثير أو مريح، ومن ظنه كذلك فقد خانه الفهم وخدعه بريق السلطة ، الكرسي الذي يجلس عليه والي الولاية الآن ليس سوى كتلة من المسؤوليات، وعرق مستمر، وأرق لا يعرف النوم، وهمّ يومي يثقل القلب قبل الأكتاف، لذلك فإنّ اختيار اللواء ركن معاش عبد الرحمن عبد الحميد خلفًا للوالي السابق لم يأتِ عبثًا، بل وراءه تقييم مركزي دقيق، وتفحّص عميق في سيرة الرجل وتاريخه، والقيادة لا تختار إعتباطًا حين يكون الأمر متعلقًا بمقود ولايةٍ متأرجحة بين ضرورات النجاة وضغط الواقع القاسي
اللواء م عبد الرحمن عبد الحميد يدخل الولاية في توقيت بالغ الحساسية، حيث لم تندمل الجراح بعد ، وتحاول الولاية أن تقوي وضعها جراء الحرب التي أطلق شرارتها أراذل القوم ، فأثّرت في مفاصل الخدمات، وزعزعت أمن المرافق الحيوية، وجعلت من تماسك الولاية تحديًا لا يستهان به، هذا ليس وقت المجاملات، ولا زمن البدايات الباردة، على الوالي الجديد أن يشرع مباشرة في فتح صفحة جديدة، لا تعنيه كثيرًا سطور الصفحة السابقة، وإن كان لابد من ذكرها فعليه أن يتعلم منها دون أن يُنكأ جراحها أو يستحضر أوجاعها بلا طائل
الوالي السابق أتى في ظرف قاهر، واجتهد على قدر ما استطاع وسط كمٍّ هائل من الانتقادات والضغوط الأمنية، قد لا يكون قدّم كل المطلوب، لكنه مضى دون ضجيج، راضيًا بما قدّم، وترك المنصب لمن بعده، لكن المعطيات اليوم مختلفة، والمطلوبات أكثر تعقيدًا، فالحرب فرضت واقعًا جديدًا يتطلب إعادة تقييم شاملة للهياكل التنفيذية، وترميمًا دقيقًا يسبق أي تغيير، الولاية في حاجة إلى قيادات صلبة، ميدانية، تعرف لغة الناس وتفهم أولوياتهم، بعيدًا عن التنظير البارد والمكاتب المُكيّفة
ولعل من أهم الملفات التي يجب على الوالي الجديد أن يتعامل معها بصرامة، هو الملف الأمني، لأن الهجمات المتكررة من المليشيات لا تنذر بخير، وهي تستهدف مفاصل حيوية واستراتيجية، هنا لا بد من تفعيل دور المقاومة الشعبية وتطويرها بشكل عاجل تدريبًا وتسليحًا لتحصين الداخل، وخلق ذراع شعبي قوي يرفد القوات المسلحة، ويكون السند الحقيقي على الأرض
لا يمكن تجاوز البعد الشعبي في هذه المعركة، فكسب قلوب الناس ودعمهم المادي والمعنوي لا يقل أهمية عن أي خطة عسكرية أو أمنية، لذلك فإن على الوالي أن يمدّ الجسور مع الشارع، لا أن يبني الحواجز من حوله، المرحلة لا ترحم المترددين، ولا تقبل بالمجاملات. هي مرحلة الفعل، والعمل الحقيقي، والانحياز الكامل للشعب، للجيش، للوطن
إني من منصتي انظر…حيث أري… أن الكرسي الآن ليس مساحة راحة، بل معركة أخرى بأدوات مختلفة، ومن يجلس عليه دون وعي بهذه الحقيقة، سيسقط عنه ثوب القيادة سريعًا، ولن يرحمه التاريخ