وطن الإعلامية – الإثنين 19-5-2025م:
شهدت إحدى مناطق التعدين بمحلية أبو حمد في ولاية نهر النيل مؤخرًا حادثة مقتل أحد مروجي المخدرات، وذلك في ظروف كشفت لاحقًا عن خطورة الاختراقات الأمنية داخل مواقع التنقيب الأهلي.
المثير في الحادثة أن القتيل كان يدّعي انتماءه لإحدى القوات النظامية، وهو ما نفته الجهات المختصة، مؤكدة عدم وجود أي صلة رسمية تربطه بها، ما يشير إلى محاولات متكررة من قبل العناصر الإجرامية للاحتماء بالزي الرسمي والزج بالمؤسسات النظامية في أنشطة مشبوهة.
وقد أثارت هذه الحادثة مخاوف مشروعة بشأن هشاشة الوضع الأمني داخل مواقع التعدين، التي أصبحت في بعض المناطق ملاذًا للخلايا النائمة ولعناصر الجريمة المنظمة وتجار المخدرات والسلاح، في ظل ضعف الرقابة وغياب التنظيم، مما يستوجب تحركًا عاجلًا لضبط القطاع وإنقاذه من الانزلاق إلى مزيد من الفوضى.
مواقع التعدين.. ملاذ آمن للخلايا النائمة؟
أصبحت بعض مناطق التعدين، للأسف، تحوّلت في ظل الفوضى إلى ملاذ آمن للخلايا النائمة، التي تستغل انعدام الرقابة وتداخل السلطات لتُمارس أنشطتها التخريبية تحت ستار البحث عن الرزق.
تلك الخلايا، التي قد تكون مرتبطة بتنظيمات تمرد أو جماعات تهريب وسلاح، تجد في مناطق التعدين بيئة خصبة للتحرك والتجنيد، بل أحيانًا لتمويل أنشطتها من خلال التهريب والابتزاز.
ولذلك، فإن السيطرة على هذا القطاع لم تعد فقط مطلبًا اقتصاديًا، بل ضرورة أمنية واستراتيجية لحماية استقرار البلاد ومنع تسرب الفوضى إلى عمق المجتمع السوداني.
من العشوائية إلى التقنين: الخطوة الأولى نحو السيطرة ..الظروف الحالية تستدعي تدخلاً من الدولة، يتمثل في إطلاق حملة حصر شاملة لكل العاملين في قطاع التعدين التقليدي، تمهيدًا لمنحهم بطاقات تعريفية رسمية وربطهم بقواعد بيانات موحدة. فغياب التوثيق أدى إلى انفلات كبير في حركة الأفراد، وسهّل دخول عناصر متفلتة تستغل حالة السيولة الإدارية وتضارُب المسؤوليات بين الجهات ذات الصلة.
ولايتي نهر النيل والشمالية – باعتبارهما من أكبر مناطق التعدين في السودان – بحاجة ملحة لهذا النوع من التنظيم، لاسيما في ظل تصاعد جرائم التهريب والترويج للمخدرات، وتكرار الحوادث الأمنية التي تهدد حياة المواطنين واستقرار المجتمعات.
الحملات الأمنية: ضرورة متواصلة لا مجال لإيقافها الاستقرار الأمني في مناطق التعدين لا يتحقق فقط بالحصر والتقنين، بل يتطلب استمرارية الحملات الأمنية والقانونية، وتوسيع صلاحيات القوات المنتشرة في الحقول، بما يشمل التفتيش المفاجئ، وملاحقة المتفلتين، وإغلاق المسارات غير الرسمية.
كذلك يجب إنشاء نيابات ميدانية ومحاكم متنقلة قادرة على الفصل السريع في القضايا المرتبطة بالتعدين، لضمان تطبيق القانون دون تأخير، ومنع إفلات المتورطين من العقاب.
شراكة الدولة والمجتمع: الطريق نحو بيئة تعدين آمنة
نجاح الإجراءات الأمنية والإدارية يعتمد على شراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المحلي. فالإدارات الأهلية واللجان الشعبية والقيادات المجتمعية تلعب دورًا محوريًا في رصد الغرباء والتبليغ عن الأنشطة غير القانونية، خاصة في مناطق نائية يصعب تغطيتها أمنيًا بشكل دائم.
كما أن تعزيز الوعي وسط المعدنين بأهمية التنظيم واحترام القانون يساهم في تحصين هذه المجتمعات من الاختراقات، ويحول دون تحوّل مناطق التعدين إلى مساحات خارجة عن السيطرة.
خاتمة: تقنين التعدين.. حماية للوطن وصيانة للثروة
الحادثة الأخيرة في أبو حمد ليست معزولة عن سياق عام يتطلب مراجعة شاملة لواقع التعدين التقليدي في السودان، وخاصة في ولايتي نهر النيل والشمالية. لقد آن الأوان لتحويل هذا القطاع من فوضى مفتوحة إلى نظام شفاف ومحكوم، يضمن الأمن، ويحقق العدالة، ويُحسن إدارة الثروة الوطنية.
إن أي تهاون في ضبط هذا الملف يفتح الباب واسعًا أمام مزيد من الجرائم والانتهاكات التي تهدد الاقتصاد الوطني والنسيج الاجتماعي، وتُضعف من هيبة الدولة.
ولذا، فإن الدعوة إلى تقنين شامل، مدعوم بإجراءات أمنية حازمة ومتابعة ميدانية دقيقة، لم تعد خيارًا بل ضرورة وطنية عاجلة.