وطن الإعلامية – الخميس 22-5-2025م:
“لا يُصلح الخراب من أتقن صناعته” ــ محمود درويش
“إنهم لا يريدون إصلاح الظلم، بل يريدون السيطرة على تعريف العدالة نفسها” ــ جورج أورويل.
“لا يمكن لمنطق الهدم أن يولد منطقاً للخلاص” ــ ثيودور أدورنو
● صممت الميليشيا المتمردة، ومشغلها الأجنبي، للمواطنين واقعاً من القتل والاغتصاب والخطف والإفقار والتشريد، ليس كأحداث عشوائية، ولكن كـ”نظام تشغيل” للسيطرة. ليس مجرد عنف، بل هندسة دقيقة للفوضى، حيث كل جريمة – من قتل إلى نهب إلى تخريب إلى تشريد – هي بند تنفيذي في دليل التشغيل.
● لم تكن هذه عملية هامشية، أو عرضية، بل كانت شاملة، شديدة التنظيم، ومخططة على نحو “يصمم” للمواطنين جحيماً رأت الميليشيا، وسيدها في الخارج، أنه إلزامي لنوع السيطرة التي يريدونها. فهذا ليس تمرداً تقليدياً على الدولة بل تصميم على تحطيمها، وليس خروجاً على القانون، بل هندسة دقيقة لفوضى مستدامة، تُدار بعناية وتُسوَّق كضرورة انتقالية للوصول إلى الوضع “المثالي” الذي يريده المحتل.
● هذا “التصميم” ليس استعارة، بل تعبير واقعي عن هندسة عنف أدارها خبراء محليين وأجانب في التدمير وتفكيك المدن، بمساعدة شفشافة ومعتادي إجرام. لكن حلفاء الميليشيا يصورونها كأحداث ظرفية هامشية، نتجت عن الحرب، لا كبنية تأسيسية لمشروع السيطرة.
● ما قامت به الميليشيا من “تصميم” لحياة الإذلال، والإفقار والتجويع والتشريد، لسكان المدن التي استباحتها من الجنينة إلى السوكي هو المعادل الحربي لعمليتها السياسية، وذات الانحراف عن الحق والعدل والانصاف والنية السليمة الذي طبع حربها سيطبع عمليتها السياسية، إذ لا يُعقَل أن يخرج من بين فرث الإجرام ودم الأطماع الأجنبية مشروع سياسي وطني نظيف.
● في الوقت الذي ينتظر فيه المواطنون القصاص، ينافح حلفاء الميليشيا عن “حقها” في “تصميم العملية السياسية”، وما ذلك إلا لعلمهم بأن الميليشيا مدينة لهم بوقفتهم معها، وستكون رغبتها في مكافأتهم، وأملها في وقفاتهم معها في المستقبل، حاضرتان عند مشاركتها في التصميم.
● يريدون من الشعب أن ينسى التصميم الأول، وأن يفتح صفحة جديدة تحت عنوان “العملية السياسية”. بينما عمليتهم السياسية لا تمثل قطيعةً مع واقع الإجرام والتخريب، بل تمثل إستمراراً له بأدوات وطرق أخرى. فالإجرام، في هذا السياق، ليس مجرد أعراض جانبية للحرب، بل وظيفة تمارس بها الميليشيا سيادتها العنيفة على الواقع. هو لغة القاهر حين يلبس ثوب المهندس، ويحوّل أدوات الخراب إلى أدوات بناءٍ سياسي. فالتصميم هنا ليس نقيض الفوضى، بل فوضى منظمة، ومفصلة على مقاس من يريدون بناء وطنهم الخاص على حساب الشعب وأحلامه.
● ما يُعرَض على الشعب اليوم تحت لافتة “تصميم العملية السياسية” بمشاركة الميليشيا ليس إلا امتداداً لذلك المشروع، إعادة إنتاج للخراب، ولكن بأدوات ناعمة، وشركاء أنيقين، وعبارات مصقولة. فكل حديث عن تصميم للعملية السياسية يُهندَس فوق ركام المدن، من دون مساءلة ولا محاسبة، هو تصميم جديد لذات الجريمة، بعناوين جديدة.
● لا أدري كيف لمن يدعون المدنية ــ إلى درجة احتكارها كمسمى لهم ــ أن يكون أكبر همهم هو معارضة انفراد القوى السياسية المدنية بالحوار والتفاوض بشأن العملية السياسية، وأن يكون خيارهم هو أن تهندسها الميليشيا مدعومةً بقدرتها على الابتزاز بالتخريب.
● لا يوجد ما هو أكثر احتقاراً للعقول من فكرة أن يعود ملايين المشردين إلى العاصمة التي دمرتها الميليشيا ونهبتها، وبعد أن طُرِدت منها قال أحد منسوبيها ( أحمد الضي بشارة) بأنهم لا يحزنون بسبب طردهم منها، لأنها أصبحت لا تصلح للعيش بحجم التخريب وبالألغام التي زرعوها فيها. ليس هناك ما هو أكثر احتقاراً للعقول من أن يعود هؤلاء الملايين لإحصاء ما خربته الميليشيا وما نهبته من ممتلكاتهم، ليجدوا الميليشيا المطرودة قد عادت، مخولةً بتوزيع كراسي السلطة، ورسم المستقبل، ومشغولةً بإحصاء مكاسبها، ومكاسب سادتها في الخارج، واتباعها السياسيين في الداخل. والسؤال المهم هنا: ما هو سقف العمالة والإجرام والتخريب، الذي إذا تخطاه طرف، وقف ضده من ارتضوا بالميليشيا حكماً بين القوى السياسية، يخوَّل له تحديد من يُقدَّم، ومن يُهمَّش، ومن يُقصَى؟!
● من صمم حاضر الخراب ينبغي ألا يُخوَّل له تصميم مستقبل الدولة. ليس لأن الشعب يرفضه فحسب، بل لأن تصميمه الأول، في الخراب، يلغي أهليته الأخلاقية والسياسية لأي تصميم آخر. فضلاً عن أن سيده الأجنبي لا يريد شراكةً ــ وأصلاً كيف تُقبَل شراكة الأجنبي في الوطن ؟! ــ بل يريد سيادةً كاملةً على المصير تتغطى بالوكلاء المسلحين و”المدنيين”!