في التقرير التالي نستعرض تجربة شاب سوداني، نجح في تحويل الصناعات الجلدية إلى مقتنيات فنية، واستثمر جماليًا في صناعة سودانية أصيلة، مستلهمًا تجارب الماضي ومتطلعلًا إلى المستقبل:
عرف السنوات صناعة الجلود منذ عصوره القديمة، بحسب ما كشفت عنه الآثار والحفريات بالمواقع الأثرية بمناطق المصورات والبجراوية، حيث يعود تاريخ صناعة الحذاء الجلدي في السودان إلى (5000) سنة في مملكة مروي.
وتعد الصناعات الجلدية جزءًا أصيلًا من إرث وحضارة السودان. والحديث عنها لا ينفصل عن التطور التاريخي والثقافي لشعوب السودان. وشهدت الصناعات الجلدية مثل غيرها من الصناعات اليدوية تطورًا حضاريًا يتماشى في متطلبات العصر الحالي.
في آواخر العام 2019 بدأ الشاب السوداني عبدالله امام محمد بالبحث عن فضاء يستوعب طاقاته وطموحاته، يقول لـ”الترا سودان”كنت أبحث عن الخروج من حالة التوتر العام”.
وبالرغم من إن عبدالله إمام يدرس هندسة الاتصالات، إلا أنه شغفه بالأعمال اليدوية بدأ منذ وقتٍ مبكر. حيث يمارس أعمال الألمونيوم كهاوي بأوقات الإجازات الجامعية، قبل الاتجاه للصناعات اليدوية الجلدية.
وعن سؤال لماذا الاتجاه للمنتجات الجلدية؟ شرح عبدالله عن شغفه باقتنائها وتقديمها كهدايا. يقول “كنت أهدي المنتجات الجلدية لأمي، عقب كل رحلة لمدينة الخرطوم”.
شارك عبدالله امام بمؤتمر شبابي بولاية كسلا موطن رأسه، واستلهم من تجارب أحد المشاركين صناعة الجلود وتحويلها لمقتنيات فنية. يقول عبدالله إنه محب لزيارة سوق أم درمان في كل زيارة له لمدينة الخرطوم، وتابع متحدثًا “اقتنيت بإحدى الزيارات جلودًا وعدة أدوات لبدء العمل”
تطلب تنفيذ الأعمال الأولية بحثًا عن ورش لصناعة الجلود، وبحسب عبدالله، نجح في الحصول على استضافة بورشة جلود لرؤية سير العمل. ويوضح في حديثه أهمية متابعة الأعمال على موقع يوتيوب، والاستفادة من المحتوى المفيد لتطوير الشباب، وشغل أوقات الفراغ بما يسهم في تطوير مهارات الشباب السوداني.
8 ساعات من العمل المتواصل
يحكي عبدالله امام عن نجاحه الأول في صناعة أساور جلدية، ومحفظة لجواز السفر. في حين استغرق العمل على الحقيبة الأولى 8 ساعات من العمل المتواصل.
ويروي قائلًا إنه عرض الحقيبة الأولى على صفحته الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي، وتلقى الكثير من عبارات التشجيع والترحاب -الحديث لعبدالله- تواصلت بعدها الطلبات الخاصة على المنتجات. وبعد شهرين من العمل الدؤوب، حصل عبدالله على مشروع من منظمة لصناعة “60” ملفًا من الجلد.
ويحكي عبدالله عن التجربة بقوله إن تصوره للمشروع كان يستغرق شهرين، إلا أنه نجح في الانتهاء منه خلال ربع المدة بمعاونة أحد الأصدقاء، الذي وفر له مكانًا للعمل.
الاستثمار في الجماليات
يتابع عبدالله امام مسيرته في صناعة المنتجات الجلدية بقوله، إن كثير من أهالي سكان ولاية كسلا، لم يتوقعوا من شاب أن يصنع لوحده حقيبة ومقتنيات، تبدو للوهلة الأولى باهظة الثمن، مؤكدًا إن سوق الصناعات الجلدية غير معروف بصورة كبيرة في الولاية.
اليوم، يمتلك عبدالله ورشة ومعرضًا في طور التجهيز للافتتاح بنهاية العام الحالي، ويروي إن البداية العمل كانت استضافة في ورشة أحد الخطاطين يسمى “شكور” بالسوق الكبير في كسلا، إلا أن نجح بعد عام كامل من العمل، من الاستقلال بورشته الخاصة، وأطلق مشروعه تحت مسمى “جيك كرافت”.
ودعا عبدالله الشباب للبحث عن الشغف بقوله، إن العمل في المجال المحبب للقلب آداة للنجاح، بالإضافة للصبر وعدم التعجل لحصد النتائج، وبناء علاقات طيبة، مضيفًا إن على الشباب في المرحلة العمرية “20-30” عامًا تقبل الأحداث من فشل ونجاح.
وجدد دعوته للمدابغ بتحسين جودة العمل والجلود، والتنويع باختيارات الألوان لتناسب جميع الأذواق.
ينظر خبراء الاقتصاد للصناعات الجلدية في السودان كمورد لا يمكن تجاوزه
تتعدد زوايا النظر للمنتجات الجلدية في السودان، فمن ناحية ينظر إليها خبراء اقتصاديون على إنها إحدى تمثل رقمًا اقتصاديًا لايمكن تجاوزه، وبدأ العمل في الصناعات الجلدية حديثًا في العام 1945 كمورد اقتصادي سوداني هام.
ومن ناحية أخرى، لا يمكن الحديث عن المنتجات الجلدية، بعيدًا عن تطور الإنسان حضاريًا، حيث لا يزال الحذاء الجلدي “المركوب” يستخدم إلى الوقت الراهن في المناسبات الثقافية، كمظهر تراثي من ثقافة السودان.