وطن الإعلامية – الإثنين 19-8-2024م:
الصحفي من غير معلومات مثل السيارة بدون وقود، لا يمكنها التحرك، ولذلك كان مهماً جداً بالنسبة لنا كصحفيين محترفين أن نسعى إلى المعلومة من مصادرها العليا في الدولة وقيادة الجيش، في ظل تضارب الأنباء وانتشار الشائعات وتسيّد صحافة الفيسبوك، فكانت رحلة بورتسودان المباركة.
عندما طلبت مني الجهة الحكومية المنظمة للرحلة المساعدة في تشكيل وفد صحفي لزيارة بورتسودان، كانت المعايير أن يكون أعضاء الوفد رؤساء تحرير صحف عملوا بالصحافة التقليدية (الورقية) سابقاً وأن يكونوا مهنيين مستقلين لا ينتمي أحدهم لحزب أو جماعة سياسية.
لماذا رؤساء تحرير سابقين أو حاليين وكيف تشكل الوفد؟
الإجابة: لحساسية المرحلة سياسياً وعسكرياً وأمنياً، وهذا يتطلب خبرة ودقة عالية في نقل الأخبار والمعلومات عن قيادات الجيش وأعضاء مجلس السيادة الذين يشكون باستمرار من النقل الخاطئ والتفسير المُخِل للتصريحات ما يضر بسير معركة الكرامة التي تخوضها القوات المسلحة بشرف وبسالة وكبرياء لتحرير كل السودان من دنس التمرد الغاشم.
أعضاء الوفد السوداني على صغره، يمثلون أجيال مختلفة ومن تخصصات متنوعة:
الدكتورة بخيتة أمين -حفظها الله – تمثل أقدم جيل من الصحافة السودانية ما زال يمارس المهنة، وهي سابقة للأستاذين الكبيرين أحمد البلال الطيب، ومحجوب عروة، بعدة سنوات وهما أعرق رؤساء التحرير، وقد ترأست د. بخيتة تحرير عدداً من المجلات والاصدارات الصحفية، خاصة المعنية بشأن المرأة والأسرة، كما ظلت تكتب في الشأن العام عبر عمود (جرة قلم) منذ عقود طويلة بصحيفة الرأي العام وغيرها وهي عميد كلية الصحافة والطباعة بأم درمان.
الأستاذ النور أحمد النور، هو من جيل سابق لجيلنا، وهو من المدرسة الخبرية، ويُعد النور أميز رؤساء أقسام الأخبار في الصحافة السودانية طوال الأربعين عاماً الماضية، وهو رئيس تحرير سابق لصحيفتي الصحافة والإنتباهة في أوج مجديهما، وهو الآن مراسل الجزيرة نت ووكالة الأنباء الإسبانية.
الأستاذة سمية سيد، هي أيضاً من جيل سابق لنا في الصحافة، وهي صحفية اقتصادية متخصصة في هذا المجال، ورأست تحرير صحيفتي العاصمة والتغيير.
تشكيل الوفد راعى تمثيل المرأة، ومن اسمين كبيرين (د. بخيتة وأستاذة سمية).
الأستاذ الطاهر ساتي، هو من جيل أتى بعدنا، وقد ظهر لأول مرة في الكتابة السياسية في عمودي (شهادتي لله) بصحيفة ألوان في أحد أيام العام 2000م (قبل 24 عاماً) وقدمتُه للقراء وأفخر بذلك، ثم انطلق ساتي كالسهم ليصبح أحد أبرز كتاب الرأي في الصحافة السودانية وترأس قبل سنوات تحرير صحيفة اليوم التالي.
شخصي الضعيف ، عملتُ صحفياً محترفاً لأكثر من 28 عاماً، وشاركتُ في تأسيس صحيفة آخر لحظة مع الهرمين الكبيرين الأستاذ حسن ساتي رحمه الله الذي عندما كان رئيس تحرير الأيام في عهد مايو كنتُ وقتها في المرحلة الابتدائية، والأستاذ الرفيع المحترم مصطفى أبو العزائم ، وكانت رئاسة مجلس الإدارة للباشمهندس الحاج عطا المنان ، كرجل أعمال وليس كسياسي ، ثم أسستُ صحيفة الأهرام اليوم وصرتُ رئيساً لتحريرها عام 2009م، بشراكة مالية ثلاثية، كأول رئيس تحرير صحيفة سياسية من أبناء جيلي، ثم أسست في العام 2012م، صحيفة المجهر السياسي وترأست هيئة تحريرها .
الوفد المصري:
ضم الوفد المصري، ولأول مرة منذ سنوات طويلة، رئيس تحرير واحدة من ثلاث صحف قومية كبرى تتبع للدولة وهي صحيفة الأخبار (أهرام، أخبار، جهورية) ويحفظ السودانيون هذه العبارة الشهيرة التي تتردد في الأفلام والمسلسلات المصرية، وهو الدكتور المحترم أسامة السعيد. وبالتالي د. أسامة يشغل أعلى وظيفة صحفية في جمهورية مصر العربية.
قصدت الجهة المنظمة الاهتمام بقناة القاهرة الإخبارية وتكريمها، كأهم قناة إخبارية مصرية حالياً، وهي القناة العربية الوحيدة التي تطلق صفة (مليشيا) على قوات الدعم السريع، وقد سبقت تلفزيون السودان في الوقوف مع الدولة والجيش السوداني قبل أن ينتقل لاحقاً إلى بورتسودان بعد احتلال مقره واستوديوهاته في أم درمان بواسطة المليشيا. ولهذا جاءت من القناة المذيعة آية لطفي، والمصور محمد إسماعيل، وكان المفروض أن ينضم للوفد المنتج بالقناة إسلام أبو المجد، وحالت ظروف عدم حصوله على موافقات من الجهات المختصة على عدم سفره رغم اكتمال اجراءات الطرف السوداني وحصوله على تأشيرة الدخول.
كان ضمن الوفد الصحفية المصرية المسؤولة عن ملف السودان وأفريقيا في صحيفة الشروق الأستاذ سمر إبراهيم، وهي تمثل الصحافة المصرية الخاصة.
رشحنا أيضاً مدير تحرير صحيفة روز اليوسف الأستاذ أحمد إمبابي، وهو محلل سياسي معروف يظهر في جميع القنوات المصرية فيما يتعلق بالشأن السوداني.
حراك الوفد
أحدث الوفد حراكاً إعلامياً وسياسياً كبيراً وغير مسبوق في بورتسودان، وقد ظلت وكالات الأنباء العالمية والقنوات الفضائية العربية والأجنبية تنقل يومياً أخبار وصور ومخرجات لقاءات الوفد مع قيادات الدولة والجيش طوال الخمسة أيام الماضية.
هذا الحراك الكبير أكد على الفرق الشاسع بين الصحافة الاحترافية المهنية وصحافة الفيسبوك والناشطين والناشطات ومندوبات الإعلانات الذين زحموا الأجواء في عهد الفوضى والسيولة السياسية والأمنية والإعلامية التي سادت طوال الخمس سنوات الماضية.
مثل الوفد مصدر المعلومات الأساسي للرأي العام السوداني وأجهزة الإعلام، وأدى دور استشارية إعلامية وسياسية لقيادة الدولة والجيش خلال هذه الفترة المحدودة، بما طرحه من أفكار ورؤى داخل الجلسات المغلقة مع السادة رئيس وأعضاء مجلس السيادة ومدير جهاز المخابرات ووزيري الإعلام والمالية وحاكم دارفور والسيد النائب العام.
نقل الوفد لرئيس وأعضاء مجلس السيادة وقيادة الجيش رأي الشارع السوداني في ما يتعلق بالأداء العسكري والسياسي كما ظللنا نكتب ناقدين مرات ومدافعين عن الجيش بقوة على مدى عام وأربعة أشهر، دون تلطيف أو مجاملة، وطرحنا قضية الحرب والسلام بوضوح على طاولات البرهان وكباشي وعقار وجابر وجبريل ومناوي، واستمعنا منهم وعرفنا دفوعاتهم، نشرنا ما يصلح للنشر بمهنية عالية وعبر ديسك موحد تخرج منه العناوين البارزة لكل لقاء، وأبقينا على غير المناسب حالياً، حتى في المعلومات التي لم يطلب قادة الجيش عدم نشرها.
في مطار بورتسودان
وصلنا بورتسودان منتصف الليل، كان في استقبال الوفد ضابط رفيع من جهاز المخابرات السوداني برتبة اللواء يصاحبه عدد من الضباط وبعد ساعة من الإجراءات غادرنا المطار إلى فندق كورال، حيث كان لابد من احترام وإكرام وفادة الوفد المصري الذي يزور معظمه السودان لأول مرة (قصدت الجهة المنظمة الانفتاح على وجوه إعلامية مصرية جديدة غير التي زارت السودان كثيراً).
كنا نتوقف في كل الارتكازات التي يشكلها الجيش في الطريق إلى المدينة، فحظر التجوال يبدأ في بورتسودان من الحادية عشرة ليلاً.
خلدنا للنوم ثلاث ساعات فقط، ليبدأ البرنامج في الصباح الباكر نفس يوم الوصول، وكانت البداية مع وزير الثقافة والإعلام الأستاذ جراهام عبد القادر.
المخابرات.. المؤسسة الماكينة!
رغم أن الجهة الداعية للوفد هي وزارة الإعلام، لكن لدواع أمنية ولأن الوفد يضم صحفيين أجانب ، فإن جهاز المخابرات العامة هو الذي تولى تأمين ومرافقة وتنظيم مقابلات الوفد لجميع المسؤولين، هذا الجهاز الذي كاد أن يقضي عليه ناشطو الحرية والتغيير في حقبة العبث السياسي من خلال تهميش دوره عبر الوثيقة الدستورية وحصره في مهمة جمع المعلومات فقط ، ثبت عملياً من خلال ميادين هذه الحرب أنه مؤسسة وطنية راسخة ، تعمل بماكينة دفع رباعي وبنسق عالي التنظيم ودقة فائقة لا تحتمل الخطأ، ضباطه يعملون صباحاً ونهاراً وليلاً بمن في ذلك المدير العام الرجل الوقور الحكيم عين الدولة التي لا تنام الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، يعملون جميعاً بدوام مفتوح حتى الساعات الأولى من الصباح وينامون لسويعات ، ليبدأون يوماً جديداً.
الجهاز يقاتل بجسارة وبسالة في الحرب ضد التمرد المليشياوي، باسم هيئة مكافحة الجريمة والإرهاب (هيئة العمليات)، ويدافع في بورتسودان عن الدولة لتبقى واقفة وشامخة تعبر عن الشعب السوداني، ولا تموت، ليحيا الشعب وتستقر الدولة التي أراد آل دقلو ورعاتهم في الإقليم القضاء عليها من صبيحة 15 أبريل 2023م.
يفارقنا ضابط المخابرات عاطف بنهاية برنامج اليوم عند منتصف الليل، ويقول إنه ذاهب للمكتب!! ويعود لنا عند الثامنة صباحاً حيث نتناول وجبة الإفطار سريعاً (فول، بيض، زبادي وشاي).
وزير الإعلام وسر الهجوم عليه
السيد وزير الإعلام جراهام عبد القادر، رغم الهجوم الكثيف عليه من الصحفيين واتهامه بالتقصير، إلا أنه في لقائه الوفد السوداني المصري أظهر قدرات عالية في التعبير عن نفسه وطرح المعلومات المتاحة أمامه في تقارير رسمية عن حجم الضرر الذي تعرضت له كافة قطاعات الدولة جراء هذه الحرب وبالأرقام، وكان حاضراً في الإجابات، وقد نشرنا جانباً من حديثه وأحاديث غيره من قيادات الدولة، لكنني هنا مهتم بنقل الوجه الآخر للزيارة والانطباعات والتقييم لِمَن التقيناهم مِن المسؤولين، وذلك لفائدة المواطن السوداني.
مشكلة جراهام كوزير أنه لا يحب الظهور والمبادرة وهو وزير وزارة الظهور!!
جراهام مؤهل ومتمكن ومتحدث جيد، ولكن شخصية المثقف والمبدع (موسيقي محترف) داخله تدفعه بعيداً عن الكاميرات، وهذا سبب الهجوم عليه من الإعلاميين، ولذلك المطلوب من مؤسسة الدولة تغطية هذا الجانب، بدعوة وزير الإعلام لحضور أي لقاء رسمي متعلق بالإعلام، يجريه الرئيس البرهان وأعضاء مجلس السيادة، وقد أنابت عنه في مقابلتنا مع الفريق أول البرهان وكيل وزارة الإعلام الأستاذة سمية الهادي بمبادرة شخصية منها.
سأتحدث في الحلقة القادمة حول انطباعاتي من مقابلات قادة الجيش والدولة.