وطن الإعلامية – الاحد 22-12-2024م:
● في لحظة فارقة في تاريخ السودان، جاء تحرير قاعدة “الزُرق” ليكون ضربة قاسية لمليشيات الدعم السريع، كأنما قطع حلم العائلة الحاكمة لتلك المليشيا في دارفور. تقع قاعدة “الزُرق” في قلب صراع جيوسياسي أعقد من أن يمر دون أن يترك آثارًا على مستوى الأرض والسياسة، فهي ليست مجرد قاعدة عسكرية، بل مفترق طرق استراتيجي يربط دارفور بليبيا وتشاد عبر صحراء قاحلة، أرض تكتسب قيمتها من كونها حلقة وصل في سلسلة دعم لوجستي كان يمر عبرها كل شيء، من السلاح إلى الإمدادات البشرية.
● كان حميدتي قد اختار هذه الأرض لتكون مركزًا محوريًا لقوته العسكرية في الغرب السوداني، حيث أَسَّس فيها مستوطنة للقوات وحولها إلى قاعدة ضخمة مزودة بكل ما يحتاجه جيش متأهب للقتال. ومع هذا، كانت “الزُرق” أيضًا جزءًا من الحاكورة التاريخية لقبيلة الزغاوة، الذين عارضوا بشدة فكرة تسليمها للمليشيا، وهو ما أكسب تحريرها اليوم طابعًا رمزيًا ذا بعد سياسي قبلي عميق.
● بينما كانت القوات السودانية تحقق انتصارًا على الأرض في “الزُرق”، كان المشهد الدولي يتغير ببطء. في “بروكسل”، على بعد آلاف الأميال من جبهات القتال في دارفور، كان السودانيون يقيمون تظاهرات ضخمة أمام مقر الاتحاد الأوروبي، رافعين الصوت عالياً ضد مواقف الاتحاد السابقة التي بدت مترددة في مواجهة مليشيا الدعم السريع. جاءت هذه التظاهرات لتدق جرس الإنذار، وتدعم التوجه المتنامي داخل الدوائر الغربية نحو تصنيف هذه المليشيا كمنظمة إرهابية، وهو تحول يُعد انتصارًا سياسيًا للجيش السوداني على المستوى الدولي، حيث تتلاقى صرخات الشارع السوداني مع التغير في مواقف القوى الكبرى لصالح سيادة السودان ووحدته.
● وفي الوقت ذاته، في مدينة بورسودان، كانت “السعودية” تدير دفتها الدبلوماسية بحذر لكن بثبات. في خطوة لافتة وتزامنًا مع الضغوط الميدانية في السودان، افتتحت “السعودية” قنصليتها بعد توقف دام 19 شهرًا. وفي صباح 21 ديسمبر، كانت أول تأشيرة صادرة من القنصلية السعودية إلى مواطن سوداني، في مشهد يعكس عودة الحياة للعلاقات الطبيعية بين البلدين. تلك الخطوة لم تكن مجرد بادرة رمزية، بل رسالة واضحة تعكس عمق الالتزام السعودي بدعم استقرار السودان في هذا المنعطف الحاسم، وتجديد الشراكة الاستراتيجية التي لطالما وقفت “السعودية” من خلالها إلى جانب السودان في مختلف المراحل.
■ خلاصــة القــول ومنتهــاه
● تحرير “الزُرق” لم يكن انتصارًا عسكريًا فحسب، بل كان لحظة رمزية تضافرت فيها جميع القوى: “الميدان،” “الشارع”،و”الدبلوماسية” . ومن “الزُرق” إلى “بروكسل” مرورًا “ببورسودان”، أظهرت هذه التحولات أن السودان يسير بخطى ثابتة نحو مرحلة جديدة، حيث تتكامل الجهود العسكرية والسياسية لإعادة رسم ملامح الدولة، مستندة إلى إرادة شعبها ودعم شركائها وٱصدقائها الإقليميين والدوليين .