وطن الإعلامية – الإثنين 19-5-2025م:
في كمبالا، بعيدًا عن الرماد المتناثر من الوطن المحترق، أقيمت حفلة تنكرية سموها “مؤتمر التماسك الاجتماعي”. مؤتمر مولته الإمارات بطريقتها المعهودة: تنفخ في الرماد الذي ساعدت في إشعاله، ثم تدعو الناس للرقص حوله، كل شيء كان مرتبًا: أوراق عمل أنيقة، كلمات منمقة، توصيات باردة تُكتب ثم تُنسى، وأمسية شعرية يغني فيها من يذرفون الشعر على جراح وطنٍ لا يسمع، لأنه مثقوبٌ بطلقات خيانة
د. الشيخ الطيب المجذوب تحدث عن “دور الزعماء الدينيين في تحقيق المصالحات” وكأن هؤلاء الزعماء لم يكونوا جزءًا من الصمت العارم أمام الانهيار، وكأنهم لم يباركوا، أو يسكتوا، أو يصطفوا مع من مزق هذا التماسك الاجتماعي إربًا حين كان الوطن يختنق بين سندان الإطاري ومطرقة الحرب، أي تماسكٍ هذا الذي يُبنى من فنادق مغتربة، بينما الدم يسيل في الشوارع ويُنهب ما تبقى من الأمل في خزائن من يدّعون الوساطة؟
الفاعلون السياسيون أو بالأصح الهاربون من مواجهة واقعهم، تجمعوا ليقولوا “نحن هنا”، وهم في الحقيقة لا شيء سوى صدى باهت لما يريده الممول الخليجي، يثرثرون عن الكراهية وهم من صنعوها، يتحدثون عن المصالحة وهم من جهزوا الخنادق، يرتدون عباءة العقلانية بعدما خلعوها يوم اختاروا أن يُقسِّموا البلاد بين اتفاق هش وحرب لا قلب لها
الناشطون الذين خلعوا قميص الثورة وارتدوا بذلة المؤتمرات، يبحثون عن شرعيةٍ في أوراق العمل وشرائح البوربوينت، حنينٌ إلى الظهور، لا إلى التغيير، شهوة الميكروفون أقوى من ضمير الوطن، يريدون للعالم أن يراهم من كمبالا لأن الخرطوم لم تعد تحتمل وجودهم
فعالية “دور القيادة الفكرية والثقافية والدينية في بناء مستقبل خالٍ من الكراهية” كانت مجرد مونولوج لضمائر ميتة، المستقبل لا يُبنى بالأمنيات، ولا ترفده قصائد تُلقى أمام كاميرات الدعم الخارجي، يُبنى حين يُحاسب من مزقوا الوطن باسم السلام، ومن قسّموه باسم الثورة، ومن باعوه باسم الدين
كمبالا لم تكن مؤتمرًا، كانت عرضًا باهتًا، لا أحد خرج منه بتماسكٍ، فقط خرجوا بصورٍ للذكرى… وشيكٍ ممول من خزانة تعرف كيف تُجمِّل الخراب، وتُسوّق الوهم.