لُقب ألبوم نور الدين عطا المولى جابر الجديد، “بجا باور”، بـ”ساوند تراك” (الموسيقى التصويرية) للثورة السودانية الأخيرة.
لكن لا يريد الموسيقي، المعروف باسمه الفني نوري، أن تكون موسيقاه مجرد سجل تاريخي لذلك الوقت في عام 2019 عندما أُطيح بالرئيس السوداني آنذاك عمر البشير بعد احتجاجات حاشدة.
وبالنسبة له، يعد الإصدار الدولي لألبوم شركة أوستيناتو ريكوردز، ومقرها نيويورك، استمرارا لمقاومة مجتمعه البدوي المسلم للأنظمة المتعاقبة في السودان.
ينحدر شعب البجا من شرق السودان، ويعيش أفراده بين الجبال وساحل البحر الأحمر، وهي منطقة غنية بالذهب والموارد الأخرى وإن كان لا ينعكس ذلك على المنطقة.
قال لي نوري، البالغ من العمر 47 عاما، وهو جالس على الضفة الغربية لنهر النيل في أم درمان، المدينة التوأم للعاصمة السودانية الخرطوم: “من خلال الموسيقى، أود أن أعكس ثقافتي وأن أعرف الناس يعرفون بنا وبمحنتنا”.
وأثناء حديثه، كان يمسك بـ “غيتار تامبو” الكهربائي الذي يعتبره الكثيرون سر نجاحه.
ويجمع غيتار تامبو، وهو أداة موسيقية هجينة من اختراعه، بين عنق الغيتار والطمبور التقليدي ذي الـ 4 أوتار.
بدأ نوري مسيرته الموسيقية في بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر، في سن الثامنة عشرة من عمره، وذلك خلال السنوات الأولى من حكم عمر البشير.
كان ذلك هو الوقت الذي شعر فيه شعب البجا بالإهمال والتهميش، ومثل العديد من المجتمعات الأخرى في البلاد، تم سحقهم من قبل الحكومة الإسلامية.
كان البشير قد لخص موقفه بعد انفصال المنطقة التي تقطنها أغلبية من المسيحيين وأتباع الديانات الأفريقية التقليدية في جنوب السودان في عام 2011، عندما قال أمام حشد من أنصاره:” إنه بدون الجنوب ، يمكن أن يكون السودان الآن دولة ذات هوية واحدة هي الهوية العربية، ودين واحد هو الدين الإسلامي”.
ويوضح نوري قائلا: “في الماضي لم يكن لدينا وصول إلى المنصات المتاحة الآن لنقدم عليها موسيقانا، وكان مسموحا فقط بالموسيقى العربية”.
ومضى يقول:”قيل لنا إننا لا نريد الموسيقى والأغاني بلغة غير عربية. كانوا يخبروننا في بعض المهرجانات أن لغتنا غير مفهومة”.
وقد شهدت منطقة البحر الأحمر، كما هو الحال في أي مكان آخر في السودان، نشاط بعض جماعات المعارضة المسلحة. ووقعت أيضا اشتباكات مميتة مع المجتمعات المحلية التي تعيش في ولاية كسلا في الجنوب، وهي أعمال العنف التي يشتبه البعض في أنها استهدفت الحيلولة دون توحيد صفوف المعارضة.
وقد علق نوري على ذلك قائلا: “ألعب أيضا دورا في وقف الصراع القبلي الذي يدور في شرق السودان، من خلال عزف موسيقاي”.
نقطة الخلاف الرئيسية لقادة مجتمع البجا هي أنهم يريدون أن يكون لهم رأي في كيفية إدارة دولتهم، وهو أمر، كما يقولون، تجاهلته الحكومة الانتقالية، التي لم تستمر طويلا بعد عمر البشير، وكذلك فعل المجلس العسكري الذي تولى السلطة منذ أكثر من عام بقليل حيث واصل سياسة تهميش المنطقة.
قبل الانقلاب، بدأ البجا في تنظيم احتجاجات في الميناء المزدحم في بورتسودان حيث يتم تصدير النفط في البلاد، للتعبير عن مطالبهم.
كما أنهم غاضبون من خطة لبناء ميناء جديد بالشراكة مع الإمارات العربية المتحدة على بعد 200 كيلومتر شمال بورتسودان، مما سيؤدي إلى نقل سكان البجا من أراضيهم.
وفي نوفمبر / تشرين الثاني الماضي، قال قادة مجتمع البجا إن صبرهم مع الخرطوم بشأن المفاوضات حول مستقبل منطقتهم قد نفد، وأعلنوا أنهم بصدد تشكيل حكومة إقليمية خاصة بهم.
كان نوري، الذي يريد تعزيز التفاهم، قد شكل فرقته دوربا وتعني “الجبال” في عام 2006 مع موسيقيين آخرين من المجتمعات المهمشة. وأحدهم هو محمد بلال، عازف الكونغا (نوع من الطبول) وهو من مجتمع أنقسانا غير العربي في ولاية النيل الأزرق، وهو يتفهم شغف نوري.
وقال عازف الطبل: “لا يعرف الناس الكثير عن شعب البجا بتاريخهم الطويل، وأعتقد أن ما نقوم به الآن سيتيح للناس معرفة ذلك، وسوف يسلط الضوء عليهم، ذلك أن منطقتهم فقيرة جدا على الرغم من كونها غنية بمواردها”.
(الفنان نوري وفرقة دوربا الموسيقية في معزوفة تراثية)